وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَصْبَحِيُّ وَعَنْ جَوَابِهِ فِيهَا وَجَوَابِ غَيْرِهِ وَهِيَ إذَا عُدِمَ فِي قُطْرٍ ذُو شَوْكَةٍ وَحَاكِمٌ وَلَمْ يُوجَدْ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ وَلَا لِلْأَطْفَالِ وَصِيٌّ وَنَحْوُهُ فَهَلْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ تَنْصِيبُ فَقِيهِ يَتَعَاطَى الْأَحْكَامَ فِي الْأَبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ
فَأَجَابَ الْأَصْبَحِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ رَئِيسٌ يَرْجِعُ أَمْرُهُمْ إلَيْهِ اجْتَمَعَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَنَصَّبُوا قَاضِيًا صِفَتُهُ صِفَةُ الْقُضَاةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّلَاثَةِ صِفَةُ الْكَمَالِ كَمَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ. اهـ.
قَالَ الْإِمَامُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ فَحَيْثُ تَعَذَّرَ الْإِمَامُ وَأَمْكَنَ نَصْبُ الْقَاضِي وَجَبَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فَيَأْثَمُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ بِتَرْكِهِ وَقَوْلُهُ صِفَتُهُ صِفَةُ الْقُضَاةِ أَيْ الَّتِي يُمْكِنُ وُجُودُهَا فِي زَمَانِهِمْ فَكَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ لِلضَّرُورَةِ يَتَعَيَّنُ عَلَى هَؤُلَاءِ تَوْلِيَتُهُ فَإِذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَالْمَوْصُوفِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عَلَى نَصْبِ مُقَلِّدٍ قَاضِيًا تَمَّ ذَلِكَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّمَادِي عَلَى تَرْكِ إقَامَةِ قَاضٍ فِي قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ مَعْصِيَةٌ تَعُمُّ أَهْلَهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ إقَامَتَهُ لَيْسَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَى وُجُودِ الْإِمَامِ الَّذِي يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ بَلْ الضَّرُورَةُ مُقْتَضِيَةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ.
كَلَامُ السَّمْهُودِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّمَادِي عَلَى تَرْكِ إقَامَة قَاضٍ فِي قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ مَعْصِيَةٌ تَعُمُّ أَهْلَهُ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَقْدِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْإِشَارَاتِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى أَنْ لَا يَلِيَ أَحَدٌ فِيهِمْ الْقَضَاءَ أَثِمُوا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَأْخُذُ لِلضَّعِيفِ حَقَّهُ» . اهـ.
قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ نَاصِرٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ إنَّ الْبَلَدَ الَّذِي لَا حَاكِمَ فِيهِ تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْهُ لِقَوْلِهِمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ يَأْخُذُ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ لِلْمَظْلُومِ وَيُنْصِفُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَقَدْ سُئِلَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ مِنْ الْقُرَى وَأَهْلُهَا يَمْلِكُ كِبَارُهُمْ الْحَلَّ وَالْعَقْدَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا فَهَلْ يَصِحُّ نَصْبُهُمْ لِرَجُلٍ يُمْضِي بَيْنَهُمْ بَعْضَ مَا يُمْضِي الْحَاكِمُ وَقَدْ أَظْهَرُوا لَهُ الطَّاعَةَ فِيمَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ مِنْهُمْ عَدَمَ الْوَفَاءِ ثُمَّ لَمْ يَفُوا بِأَكْثَرَ أَوْ بِالْجَمِيعِ هَلْ يَنْفُذُ مِنْهُ مَا يَنْفُذُ مِنْ الْحَاكِمِ مِنْ تَزْوِيجِ الْمَجْنُونَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَحِفْظِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْبَيْعِ لَهُمْ وَالشِّرَاءِ بِالْمَصْلَحَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِي نَفْسِهِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ.
فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْكِبَارِ الْمَذْكُورِينَ أَنْ يُوَلُّوا قَاضِيًا فِي الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ صَحَّ وَنَفَذَتْ أَحْكَامُهُ وَصَحَّ تَزْوِيجُهُ لِلْمَجْنُونَةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْعُ مَالِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ وَيَحْفَظُ مَالَ الْيَتِيمِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيَحْفَظُ أَمْوَالَ الْغَائِبِينَ وَيَتَوَلَّى جَمِيعَ مَا يَتَوَلَّاهُ الْحُكَّامُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْقَرْيَةِ شَيْخٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَيْهِمْ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ حَاكِمًا يَحْكُمُ بَيْنَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ كَمَا يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ وَنَائِبُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ شَيْخٌ وَلَا كَبِيرٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فَلَهُمْ أَنْ يَنْصِبُوا قَاضِيًا يَقْضِي بَيْنَهُمْ وَيَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَتَنْفُذُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِمْ.
وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ كُلِّهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْوَلِيُّ الْكَبِيرُ السَّيِّدُ الشَّهِيرُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَنْصُوبِ الْمَذْكُورِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي وَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ مَفْقُودَةٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ مِنْ قَبْلِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ مَنْ وَلَّاهُ ذُو الشَّوْكَةِ نَفَذَ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ فَاسِقًا لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَذَا الزَّمَانِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَنْ وَلَّاهُ ذُو الشَّوْكَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
مَا قَالَهُ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ وَأَفْتَى وَلَدُهُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ إذَا قَلَّدَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ قَاضِيًا جَازَ إذَا أَمْكَنَهُمْ نُصْرَتُهُ وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ وَالذَّبُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute