للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَقْفِ عَلَى الْقَاضِي بِعَيْنِهِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ قَبُولَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ وَمُخَالِفٌ لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي رَجَّحْته فِيمَا إذَا شَرَطْنَا قَبُولَهُ وَلِكُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ وَجْهٌ كَمَا قَدَّمْته وَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَحْوَطُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِهِ فَقَدْ نَقَلَهُ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ تَفْسِيرِ السُّبْكِيّ وَحِينَئِذٍ فَفِي كَلَامِ السُّبْكِيّ شِبْهُ تَنَافٍ لِأَنَّ مَا قَدَّمْته عَنْهُ فِي الْحَلَبِيَّاتِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَقْفِ مُطْلَقًا وَكَلَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ إلَّا أَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ حَمْلَ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ مِنْ الْمَنْعِ إذَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ بَحْثُ الْأَذْرَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّ اسْتِعَارَةَ الْقَاضِي لِغَيْرِ كُتُبِ الْعِلْمِ كَالْهَدِيَّةِ إذْ الْمَنَافِعُ كَالْأَعْيَانِ فَهَذَا عَلَى تَسْلِيمِهِ يَدْفَعُ مَا فَرَّقْت بِهِ بَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَبَيْنَ الْوَقْفِ مِنْ أَنَّهُ يَقْتَضِي مِلْكَ مَنْفَعَةٍ فَقَطْ بِخِلَافِ ذَيْنَك فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْهَدِيَّةِ فَلْيُلْحَقْ بِهَا إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إذْ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُطْلَقًا.

وَقَدْ مَرَّ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى الْقَاضِي مُطْلَقًا عَلَى هَذَا بِاتِّفَاقٍ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الِاحْتِمَالِ الْأَخِيرِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي حَكَاهَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ السُّبْكِيّ فِي شَرْطِ التَّدْرِيسِ لِلْقَاضِي وَوَجْهُ الصِّحَّةِ وَإِعْطَائِهِ الْمَعْلُومَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهِيَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبُولَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلْت) هَلْ خَطُّ الْقَاضِي يَكْفِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنِيبَهُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ عَلَى تَلَفُّظِ الْقَاضِي بِالْإِذْنِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ لَفْظًا وَإِذَا قَالَ النَّائِبُ فِي التَّزْوِيجِ لِتَضَجُّرٍ لَا أُزَوِّجُ أَحَدًا أَوْ لَا أَعْقِدُ النِّكَاحَ لِأَحَدٍ هَلْ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ خَطِّ الْقَاضِي بِالِاسْتِنَابَةِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ فَنَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إنْ خَاطَبَهُ بِالتَّوْلِيَةِ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ لَفْظًا وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ إلَّا عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ ثُمَّ تَعَقَّبَاهُ فَقَالَا سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ خِلَافُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَأَنَّهُ إذَا اُشْتُرِطَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْفَوْرُ فَلْيَكُنْ هَكَذَا هُنَا. اهـ. وَهَذَا مِنْهُمَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ هُنَا لَفْظًا كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَنْوَارِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا كَالْوَكَالَةِ. اهـ. فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَمُجَرَّدُ امْتِنَاعِ النَّائِبِ فِي التَّزْوِيجِ مِنْهُ لَا يَكُونُ عَزْلًا لَهُ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى رَدِّ الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَزَلْت نَفْسِي أَوْ نَحْوِهِ.

(وَسُئِلْت) هَلْ لِمَنْ قَرَأَ كِتَابًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الْفَتْوَى أَنْ يُفْتِيَ الْعَامِّيَّ فِي وَاقِعَتِهِ أَوْ يَتْرُكَهُ فِي حَيْرَتِهِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَسْأَلَةَ مُسَطَّرَةً وَوَجَدَ لَهَا نَظِيرً. اهـ. ل لَهُ أَنْ يُفْتِيَهُ بِحُكْمِ وَاقِعَتِهِ حَمْلًا عَلَى النَّظِيرِ وَهَلْ لِلْمُتَبَحِّرِ فِي الْفِقْهِ حَدٌّ مَعْلُومٌ وَهَلْ لِلْمُفْتِي إذَا وَجَدَ فُتْيَا أُخْرَى فِي مَسْأَلَةٍ فَرْضِيَّةٍ فِي الْمُنَاسَخَاتِ أَنْ يُصَحِّحَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَوْ حَضَرَ لِفَرْضِيٍّ مَنْ يُرِيدُ اسْتِفْتَاءً فِي مَسَائِلَ عَوِيصَةٍ فِي الْمُنَاسَخَاتِ تَسْتَغْرِقُ عَلَيْهِ زَمَنًا طَوِيلًا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلسَّائِلِ لَا أَصْرِفُ هَذِهِ الْمُدَّةَ فِي تَصْحِيحِ سُؤَالِك إلَّا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الِاسْتِئْجَارُ لِجَهْلِهِ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرَ لَهُ فَمَا حِيلَتُهُ مَعَ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَيْسَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ.

(فَأَجَبْت) بِقَوْلِي لَيْسَ لِمَنْ قَرَأَ كِتَابًا أَوْ كُتُبًا وَلَمْ يَتَأَهَّلْ لِلْإِفْتَاءِ أَنْ يُفْتِيَ الْعَامِّيَّ إلَّا فِيمَا عَلِمَ مِنْ مَذْهَبِهِ عِلْمًا جَازِمًا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ كَوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَنَقْضِهِ بِلَمْسِ الذَّكَرِ أَوْ بِلَمْسِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مِرْيَةَ فِيهِ بِخِلَافِ مَسَائِلِ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ لَا يُفْتِي فِيهَا نَعَمْ إنْ نَقَلَ لَهُ الْحُكْمَ عَنْ مُفْتٍ آخَرَ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ كِتَابٍ مَوْثُوقٍ بِهِ وَكَانَ النَّاقِلُ عَدْلًا جَازَ لِلْعَامِّيِّ اعْتِمَاد قَوْلِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَاقِلٌ لَا مُفْتٍ.

وَلَيْسَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْإِفْتَاءِ الْإِفْتَاءُ فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ مَسْطُورًا وَإِنْ وَجَدَ لَهُ نَظِيرًا أَوْ نَظَائِرَ وَالْمُتَبَحِّرُ فِي الْفِقْهِ هُوَ الَّذِي أَحَاطَ بِأُصُولِ إمَامِهِ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقِيسَ مَا لَمْ يَنُصَّ إمَامُهُ عَلَيْهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ جَلِيلَةٌ لَا تُوجَدُ الْآنَ لِأَنَّهَا مَرْتَبَةُ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ وَمَنْ طُلِبَ مِنْهُ إفْتَاءٌ مِنْ مُنَاسَخَةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الِامْتِحَانِ وَالِاخْتِبَارِ وَلِلْفَرْضِيِّ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّأْصِيلِ وَالتَّصْحِيحِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ لَهُ أُجْرَةٌ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلٌ مَعْلُومٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>