للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] وَلَيْسَ الْفَاسِقُ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ فَمَنْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْهِ رَدُّ قَضَائِهِ فَإِنَّ الْفَاسِقَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ اعْتَقَدَ عَدَالَتَهُمَا نُقِضَ حُكْمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْكَافِرِينَ اهـ وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ نُورُ الدِّينِ الْأَزْرَقُ بِأَنَّ عَدَالَةَ الشُّهُودِ شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ نَجْمَ الدِّينِ بْنَ الرِّفْعَةِ وَغَيْرَهُ قَالَ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْمَجْهُولِينَ قَبْلَ الْبَحْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: ٢٨٢] وَالْمَجْهُولُ قَبْلَ الْبَحْثِ غَيْرُ مُرْضٍ وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِمَامِ الْهَرَوِيِّ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَنَقَلَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ وَالْإِمَامُ شِهَابُ الدِّينِ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ رِوَايَةَ مَجْهُولِ الْعَدَالَةِ لَا تُسْمَعُ بَلْ قَالَ الْإِمَامُ تَاجُ الدِّينِ ابْن الْإِمَامِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ رِوَايَتَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا مَرْدُودَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ الْإِمَامُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْبَاقِلَّانِيِّ أَنَّ مَنْ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ لِأَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ عَدَمِهِ كَالصِّبَا وَالْكُفْرِ وَالْعَدَالَةِ تُعْرَفُ بِالتَّزْكِيَةِ اهـ

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلَا يَكْتَفِي الْقَاضِي بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ حَتَّى يَعْرِفَ عَدَالَتَهُمْ الْبَاطِنَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ اهـ قَالَ الْإِمَامُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْإِشَارَاتِ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ عَدَالَةُ الشُّهُودِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ اهـ الْأَمْرُ الثَّالِثِ أَنَّ غَيْرَ الْقَاضِي يَعْسُرُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الْقَاضِي فَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْهَا قَالَ الشَّيْخَانِ وَإِذَا لَمْ يَعْرِف الْقَاضِي مِنْ الشُّهُودِ عَدَالَةً وَلَا فِسْقًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِزْكَاءِ وَالتَّعْدِيلِ قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ سَوَاء فِي ذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ قَالَ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ إلَى الْحَاكِمِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي يَعْتَذِرُ بِهِ مَنْ يُجَوِّزُ شَهَادَةَ غَيْرِ الْمُتَيَقَّنِ عَدَالَتُهُ الْأَمْرُ الرَّابِعُ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّزْكِيَةِ اعْتِبَارُ الْعِلْمِ بِالْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ وَأَسْبَابِهِمَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرٌ فِي جَانِبِ التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْعَدَالَةَ وَشُرُوطَهَا وَأَسْبَابَهَا وَمَوَانِعَهَا لَا يَدْرِي بِمَاذَا يَشْهَدُ قَالَ وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّ مَا يَعْتَمِدهُ كَثِيرٌ مِنْ حُكَّامِ الْعَصْرِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ مِنْ قَبُولِ التَّزْكِيَةِ مِنْ الْعَوَامّ الْمَقْبُولِينَ عِنْدهمْ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَيَبْنُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ خَيْرٍ يَظُنُّونَهُ بِالْمُزَكَّى وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَجْهَلُ مَعْرِفَةَ الْعَدَالَةِ وَأَسْبَابِهَا وَيَجْهَلُونَ اعْتِبَارَ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ قَالَ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ وَالسُّؤَالُ وَالِاسْتِفْسَارُ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُعَدِّلُ أَسْبَابَ الْفِسْقِ ظَنًّا بِمَا هُوَ فِسْقٌ لَيْسَ فِسْقًا فَيَعْدِل جَهْلًا اهـ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ

وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ الشَّيْخِ الْمَقْدِسِيِّ فِي الْإِشَارَاتِ الْعَامِّيُّ لَا يَعْرِفُ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِهِ اهـ وَمُعْظَمُ شَهَادَاتِ النَّاسِ يَشُوبُهَا جَهْلٌ وَغَيْرُهُ يُحْوِجُ الْحَاكِمَ إلَى الِاسْتِفْسَارِ وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا كَذَا قَالَ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي مَوَاضِعَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَعَمْرِي إنَّ أَكْثَرَ شُهُودَ عَصْرِنَا غَيْرُ مَرْضِيِّينَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُمْ الْعَدَالَةَ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي عَصْرِهِ فَمَا ظَنُّك بِمَا بَعْدَهُ الْأَمْرُ الْخَامِسُ أَنَّ الْإِمَامَ ابْن عُجَيْل الْيَمَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ عَنْ أَهْلِ بِلَادٍ لَا يُقَسِّمُونَ لِلنِّسَاءِ مِيرَاثًا ظُلْمًا مِنْهُمْ وَيُقَاتِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْبَاطِلِ وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ مِنْ الْعُدُولِ إلَّا نَاسٌ قَلِيلٌ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ أَوْ لَا؟

فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَلَا يُرْجَعُ إلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ وَهُمْ مِنْ أَفْسَقِ الْفُسَّاقِ حَتَّى يُقَسِّمُوا لِلنِّسَاءِ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا حَتَّى يَرُدُّوا الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا وَكَذَلِكَ الَّذِينَ يُقَاتِلُ بَعْضُهُمْ فِي الْبَاطِلِ حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ لَا تُقْبَل شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ فَسَقَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْفُسَّاقِ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَزَوَالُ الدُّنْيَا عِنْد اللَّهِ تَعَالَى أَهْوَنُ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» اهـ جَوَابُهُ

قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>