خَارِجٍ عَنْهُ فَلَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ لَكِنَّهُ خَافَ مِنْ التَّجْرِيحِ فَهَلْ ذَلِكَ عُذْرٌ لَهُ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ عُذْرٍ وَلَوْ قِيلَ مَحِلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ تَجْرِيحٍ فِيهِ بِبَاطِلٍ لَمْ يَبْعُدْ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا صُورَته مَا يَتَعَاطَاهُ جَهَلَةُ الْمُتَصَوِّفَةِ مِنْ الطَّيَرَانِ وَالْقَصَبِ وَالْغِنَاءِ وَالصِّيَاحِ وَالرَّقْصِ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَتَكْنِيَتُهُمْ عَنْ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ بِهِنْدٍ وَلَيْلَى فَهَلْ يَحِلُّ لَهُمْ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِي الْمَسَاجِدِ وَهَلْ نُقِلَ عَنْ السَّلَفِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهَلْ ذَلِكَ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ وَهَلْ يُكَفَّرُ مَنْ اعْتَقَدَ التَّقَرُّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَبَيِّنُوهُ بَيَانًا شَافِيًا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَدْ أَشْبَعَ الْأَئِمَّةُ كَالْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ عَلَيْهَا بِاخْتِصَارٍ فَنَقُولُ أَمَّا الدُّفُّ فَمُبَاحٌ مُطْلَقًا حَتَّى لِلرِّجَالِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ وَصَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ وَضَعَّفَ مُخَالَفَةَ الْحَلِيمِيِّ فِيهِ وَأَمَّا الْيَرَاعُ فَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَالْأَكْثَرِينَ حُرْمَتُهُ.
وَأَمَّا اجْتِمَاعُهُمَا فَحَرَّمَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَخَالَفَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ لَمْ تَتَأَتَّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَلَمْ تَسْرِ إلَى الدُّفِّ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْيَرَاعُ الْمُسَمَّى بِالشَّبَّابَةِ وَأَمَّا الْغِنَاءُ وَسَمَاعُهُ بِلَا آلَةٍ فَمَكْرُوهَانِ وَقَوْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ إذَا سَمِعَهُ مِنْ الرَّجُلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَقْتَرِن بِهِ مَكْرُوهٌ ضَعِيفٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ نَوَى بِهِ التَّرْوِيحَ لِلتَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ فَهُوَ مُطِيعٌ وَأَمَّا الصِّيَاحُ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الصِّيَاحُ وَالتَّغَانِي إنْ كَانَ عَنْ حَالٍ لَا يَقْتَضِيهِ أَثِمَ مِنْ وَجْهَيْنِ إبْهَامِهِ الْحَالَ الْمُوجِبَةَ لِذَلِكَ وَتَصَنُّعِهِ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَنْ حَالٍ يَقْتَضِيهِ أَثِمَ بِرِيَائِهِ لَا غَيْر وَنَتْفُ الشُّعُورِ وَضَرْبُ الصُّدُورِ وَتَمْزِيقُ الثِّيَابِ مُحَرَّمٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَأَمَّا الرَّقْصُ فَلَا يَحْرُم لِفِعْلِ الْحَبَشَةِ لَهُ فِي حَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَقْرِيرِهِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ يُكْرَهُ لِخَرْمِ الْمُرُوءَةِ وَفَصَّلَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِوَجْدٍ فَيَجُوزُ لَهُمْ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَدُّ الشَّهَادَةِ بِهِ لِغَيْرِ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ حَيْثُ كَانَ لَهُمْ مَنْصِبٌ أَوْ فَخَامَةٌ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ خَارِمٌ لِمُرُوءَتِهِ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ تَعَاطِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَارِمٍ لِلْمُرُوءَةِ حِينَئِذٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَاءِ أَرْبَابِ الْأَحْوَال لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالِاخْتِيَارِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُرْمَةٌ كَفِعْلِ الْمُخَنَّثِينَ وَإِلَّا حَرُمَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُكْرَهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ لِلتَّشَبُّهِ بِالْمُخَنَّثِ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَأَمَّا التَّصْفِيقُ بِالْيَدِ لِلرِّجَالِ فَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمه اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ حَرَامٌ
وَجَزَمَ بِهِ الْمَرَاغِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِيهِ نَظَرٌ وَنِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِصَرِيحِ لَفْظِ النَّاوِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ ذَلِكَ وَلَوْ لِقَرِينَةٍ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِمَّنْ اُشْتُهِرَ عَنْهُ خَيْرٌ بَلْ رُبَّمَا يَكُون ظَنُّ ذَلِكَ بِمِثْلِ هَذَا جَالِبًا لِلْمَقْتِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَتَسْمِيَةُ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا بِالْمَخْلُوقِينَ حَرَامٌ عِنْد كُلِّ أَحَدٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا بِمِثْلِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَحَاشَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَدْنَى دَرَجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُشَبِّهَ الْقَدِيمَ بِالْحَادِثِ وَأَمَّا فِعْلُ ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَحْرُم ذَلِكَ إلَّا إنْ أَضَرَّ بِأَرْضِ الْمَسْجِدِ أَوْ حُصُرِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ شَوَّشَ عَلَى نَحْوِ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ بِهِ وَقَدْ رَقَصَ الْحَبَشَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرهُمْ وَيُقِرّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَافْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى جَوَازِ ضَرْبِ الدُّفِّ فِي الْمَسَاجِدِ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَعَلَى تَسْلِيمِهِ يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ وَأَمَّا نَقْلُ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ فَقَدْ قَالَ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فِي تَحْرِيرِهِ صَحَّ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُمَا سَيِّدَا الْمُتَأَخِّرِينَ عِلْمًا وَوَرَعًا وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute