فَإِنْ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى مَا يَخُصُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِتَوْزِيعِهِ عَلَى رُءُوسِهِمْ قُسِمَ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ وَنَكَل بَعْضُهُمْ قَضَى بِهِ لِمَنْ حَلَفَ عَلَى حَسَبِ رُءُوسِهِمْ أَيْضًا وَأَمَّا وُجُودُ الْمِفْتَاحِ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيَدَ لَهُمْ دُونَ الْوَلِيّ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ مِلْكًا لِمَنْ الْمِفْتَاحُ فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ مِلْكًا فَالْيَدُ فِي الْمَتَاعِ بَيْنَهُمْ كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ الصُّنْدُوقُ مِلْكًا لَهُمْ وَمِفْتَاحُهُ بِيَدِهِمْ فَالْيَدُ لَهُمْ وَحْدَهُمْ وَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ هَذَا كُلِّهِ فِي الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ بِأَنْ كَانَ الصُّنْدُوقُ بِيَدِ الْجَمِيعِ حَتَّى تَدَاعَوْا فِيهِ أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ يَدٌ حِسِّيَّةٌ بِأَنْ جَاءُوا إلَى الْقَاضِي وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ وَادَّعَى أَنَّهُ لَهُ دُونهمْ وَلَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ وَلَا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِمْ وَأَنَّ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الْآن اسْتَوْلَى عَلَيْهِ غَصْبًا فَالْيَدُ فِيهِ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ فَلْيَحْلِفْ وَيَسْتَحِقّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ مَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِانْفِرَادِهِ بِالْيَدِ لِتَرَتُّبِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ ادَّعَى فِي تَرِكَةِ مَيِّتٍ بِلَفْظِ إنِّي أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ دَعْوَى مُجَرَّدَة وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْوَارِثِ هَلْ تَكُونُ يَمِينُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَى الْبَتِّ وَفِي غَيْرِهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِ وَعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ تَارَةً يُرِيدُ تَحْلِيفَهُ عَلَى عَدَمِ حُصُولِ التَّرِكَةِ فِي يَدِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى الْمَوْتِ وَالدَّيْنِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ دَعْوَاهُ بِلَفْظِ أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ فَقَدْ قَالُوا إنَّ الْحَلِفَ يَكُون عَلَى الْبَتِّ فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ كَأَبْرَأَنِي مُوَرِّثُكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الدَّيْنَ وَصِفَتَهُ وَمَوْتَ الْمَدِينِ وَحُصُولَ التَّرِكَةِ بِيَدِ وَارِثِهِ وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِدَيْنِهِ عَلَى مُورَثِهِ فَيَحْلِفُ فِي الْمَوْتِ وَالدَّيْنِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.
وَفِي عَدَمِ حُصُولِ التَّرِكَةِ بِيَدِهِ عَلَى الْبَتِّ وَلَوْ أَنْكَرَ كُلًّا مِنْ الدَّيْنِ وَالتَّرِكَةِ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ مَعَ حَلِفِهَا عَلَى عَدَمِ حُصُولِهَا بِيَدِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْوَارِثِ شَيْءٌ فَلَعَلَّهُ يَظْفَرُ بِوَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ لِلْمَيِّتِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ حَقَّهُ اهـ فَافْهَمْ قَوْلَهُمْ فَيَحْلِفُ فِي الدَّيْنِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى بِهِ بِلَفْظِ أَسْتَحِقُّ أَوْ بِغَيْرِهِ.
وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْن أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا أَوْ لِي عَلَى مُوَرِّثِكَ أَوْ عِنْدَهُ كَذَا نَعَمْ ذَكَرَ الْأَزْرَقُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَفَائِسِهِ أَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَكُونُ عَلَى الْبَتِّ حَيْثُ قَالَ إذَا وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى شَخْصٍ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ وَكَذَا غَيْرَهُ إنْ كَانَ إثْبَاتًا وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَيَقُولُ لَا أَعْلَمُ لَكَ عَلَى مُورَثِي دَيْنًا فَإِنْ أَرَادَ حِيلَةً تَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى الْجَزْمِ فَيَقُولُ يَلْزَمُكَ أَنْ تُسَلِّمَ إلَيَّ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِكَ كَذَا فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى الْجَزْمِ ذَكَرَهُ فِي الْبَسِيطِ فِي نَظِيرِهَا مِنْ الْخُلْعِ. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا فَيَلْزَمُكَ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ حَلِفَ حِينَئِذٍ عَلَى الْبَتِّ فَيَقُولُ وَاَللَّهِ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ ذَلِكَ إلَيْكَ وَيُوَافِقهُ مَا فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَرْضًا فِي يَدِ آخَرِ فَقَالَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ هِيَ أَرْضِي وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي فَيَقُولُ الْمُدَّعِي بَلْ مِلْكِي وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْبَتِّ وَامْتَنَعَ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَمَا الْحُكْمُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْيَمِينِ هُنَا عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ اتِّفَاقًا. اهـ.
وَيُوَافِقُ ذَلِكَ وَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ ثَمَّ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ وَارِثِهِ ثَانِيًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ وَتَحْلِيفَهُ عَلَى نَفْيِ اسْتِحْقَاقِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ وَكَذَا لَهُ تَحْلِيفُ وَارِثِ الْوَارِثِ. اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّهُ حَيْثُ أُسْنِدَ الْمُدَّعَى بِهِ إلَى الْمَيِّتِ كَأَسْتَحِقُّ عَلَى مُوَرِّثِكَ أَوْ فِي تَرِكَتِهِ أَوْ عِنْده كَذَا حَلِفَ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ وَحَيْثُ أَسْنَدَهُ إلَى الْوَارِثِ كَيَلْزَمُكَ تَسْلِيمُ هَذَا إلَى مِلْكِي أَوْ أَسْتَحِقُّهُ حَلِفَ عَلَى الْبَتِّ فَيَقُولُ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ إلَيْكَ أَوْ لَا تَمْلِكُهُ أَوْ لَا تَسْتَحِقُّهُ ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ فَقَالَ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ وَالِاخْتِصَارِ وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يُقَالَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي كُلِّ عَيْنٍ إلَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَارِثِ فِيمَا يَنْفِيهِ وَكَذَلِكَ الْعَاقِلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَا فِي الْقَاتِلِ. اهـ. وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمهمَا اللَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute