للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَاقَضَهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَقَالَ كَمَا أَنْ لَيْسَ لَهُ دَعْوَى عَلَى مَنْ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ عِنْدَهُ عَيْنٌ بِهِمَا إذَا تَرَكَهُمَا الْمُفْلِسُ أَوْ وَارِثُهُ قُلْتُ لَا مُنَاقَضَةَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَرَى فِي الشَّرْحِ عَلَى مُقْتَضَى إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا مِنْ الْغَرِيمِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْفَلَسِ وَلَيْسَ هُوَ مَحَلًّا لِذَلِكَ وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ رَآهُ وَظَهَرَ لَهُ وَجْهُهُ فَإِنَّهُ قَيَّدَ بِهِ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ فَكَانَ هَذَا مُقَدَّمًا عَلَى مَا فِي الشَّرْحِ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي بَابِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْغَيْرِ لَا يُعْطِي حَقَّ النَّظَرِ وَالتَّفْتِيشِ لِكَوْنِهِ ذُكِرَ اسْتِطْرَادًا

وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي بَابِهِ فَإِنَّهُ يُعْطِي ذَلِكَ فَلَا يُجْزَمُ فِيهِ بِشَيْءٍ أَوْ يُعْتَمَدُ إلَّا بَعْد مَزِيدِ التَّحَرِّي وَالتَّدَبُّرِ فَلِذَلِكَ كَانَ هَذَا مُقَدَّمًا عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا هَذَا وَقَدْ سَبَقَ مِنِّي إفْتَاءٌ مُتَكَرِّرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسَطَّرٌ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْفَتَاوَى وَفِي بَعْضِهَا مُخَالَفَةٌ لِبَعْضِ مَا قَرَّرْتُهُ هُنَا الْآن فَلْيُعْتَمَدْ هَذَا دُون مَا خَالَفَهُ (تَتِمَّة) حَكَى فِي الْجَوَاهِرِ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي وَيَحْلِفَ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ مَا مَرَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَلَا يَدَّعِي فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ أَقَامَهُ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ مُتَكَلِّمًا عَلَى صَغِيرٍ قَاصِرٍ بِمُقْتَضَى مَوْتِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ فَأَرَادَ الْقَيِّمُ الْمَذْكُورُ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا مِنْ عَقَارِ الصَّغِيرِ الْمَذْكُورِ فَحَضَرَ عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَأَثْبَتَ أَنَّ الصَّغِيرَ مُحْتَاجٌ إلَى مَصْرُوفٍ وَنَفَقَةٍ لِيُسَوِّغَ لَهُ الْبَيْعَ ثُمَّ بَاعَ الْعَقَارَ وَثَبَتَ الْبَيْعُ لَدَى الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ ثُمَّ بَعْد مُدَّةٍ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي عَدَمَ صِحَّةِ الْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنْ الْقَيِّمِ بِمُقْتَضَى أَنَّ غِلَالَهُ الْمُتَحَصِّلَةَ مِنْ أَمْوَالِهِ تَكْفِيهِ وَتَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مُنْذُ مَاتَ أَبُوهُ وَإِلَى حِينِ دَعْوَاهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً شَرْعِيَّةً عَادِلَةً تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ وَظَاهِرُ الْحَالِ يُسَاعِدهُ أَيْضًا فَهَلْ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْأُولَى الشَّاهِدَةِ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْحَالِ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولِ كَمَا فِي مُقْنِعِ الْمَحَامِلِيِّ وَقَوَاعِدِ ابْنِ عَبْد السَّلَامِ وَشَرْحِ الْجِيلِيِّ وَأَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ ابْن عُجَيْلٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ.

وَوَجْهُهُ أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ نَاقِلَةٌ عَنْ أَصْلِ الْعَدَمِ الْمُوَافِقِ لِمَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ وَقَاعِدَةُ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّاقِلَةَ عَنْ الْأَصْلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ لَهُ نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي بَيِّنَةِ الْيَسَارِ أَنْ تُعَيِّنَ الْمَالَ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَفِي الْأَنْوَارِ عَنْ الْقَفَّالِ مَا يُوَافِقُهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى مُفْلِسٍ بِالْغِنَى لَمْ تُسْمَعْ حَتَّى يُبَيِّنُوا مِنْ أَيِّ وَجْهٍ اسْتَفَادَ الْمَالَ.

وَيُمْكِنُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِ الْأَوَّلَيْنِ وَحَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا عُرِفَ لَهُ إعْسَارٌ سَابِقٌ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ حِينَئِذٍ إلَّا إنْ بَيَّنَتْ السَّبَبَ وَهَذَا هُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْقَفَّالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ إنْ جُهِلَ حَالُهُ أَمَّا لَوْ عُلِمَ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهَا النَّاقِلَةُ حِينَئِذٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمُوَافِق لِمَا قَرَرْنَاهُ وَلِكَلَامِهِمْ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَنَّ الصَّغِيرَ مَتَى جُهِلَ حَالُهُ فِي الِاحْتِيَاجِ وَعَدَمِهِ قُبَيْل الْبَيْعِ ثُمَّ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عِنْد الْبَيْعِ بِاحْتِيَاجِهِ وَأُخْرَى بِغِنَاهُ وَبَيَّنَتْ ذَلِكَ عَلَى نَظِيرِ مَا مَرَّ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأُولَى وَإِنْ حُكِمَ بِهَا إذْ الْحُكْمُ لَيْسَ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ وَمَتَى عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عِنْد الْبَيْعِ غَنِيًّا ثُمَّ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ كَمَا ذُكِرَ قُدِّمَتْ الشَّاهِدَةُ بِالْحَاجَةِ لِأَنَّهَا النَّاقِلَةُ حِينَئِذٍ نَعَمْ الْأَعْيَان الَّتِي تَتَحَصَّلُ مِنْهَا الْغِلَالُ

<<  <  ج: ص:  >  >>