لِلنِّيَّةِ؛ وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَبِأَنَّ كَلَامَ جَمْعٍ يَقْتَضِي حُصُولَ السُّنَّةِ بِالْخِطَابِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، كَمَا لَا يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُ خَارِجَ الصَّلَاةِ إلَى نِيَّةٍ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ لَهُ مَعْنًى وَاضِحًا؛ فَإِنَّ السَّلَامَ هُنَا جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ حَقِيقَةً أَوْ تَبَعًا، فَلَمْ يَصِحَّ التَّخَاطُبُ الْعَادِيُّ بِهِ فَاحْتَاجَ فِي صَرْفِهِ لِذَلِكَ إلَى نِيَّةٍ، وَبِهِ فَارَقَ السَّلَامَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، أَوْ نَقُولُ مَا فِيهِ مِنْ الْخِطَابِ صَيَّرَهُ مُغَايِرًا لِبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَاحْتَاجَ صَرْفُهُ إلَيْهَا إلَى نِيَّةٍ لِيُثَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِنْ أَجْزَائِهَا لَا لِيَصْلُحَ لِلتَّخَاطُبِ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ؛ وَبِهَذَا يَقْرُبُ احْتِمَالُ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى غَيْرِ مُصَلٍّ خُوطِبَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَوْجَهَ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُصَلٍّ غَيْرُ مُتَأَهِّلٍ لِلْخِطَابِ الْعَادِيِّ، وَلَكِنْ بِهِ يُؤْمَنُ غَيْرُهُ بِسَلَامَتِهِ مِنْهُ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبُ لَهُ السَّلَامُ بِوَجْهٍ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ.
وَنُقِلَ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ أَفْتَى بِوُجُوبِ الرَّدِّ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَوَجْهُهُ مَا أَشَرْت إلَيْهِ، لَكِنِّي مَعَ ذَلِكَ لَا أَعْتَمِدُهُ؛ لِمَا ذَكَرْته، فَتَأَمَّلْهُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قُنُوتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَعْدَائِهِ هَلْ كَانَ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالْقُنُوتِ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا. .. إلَخْ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ الْحَافِظُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ: لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ بَلْ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي قُنُوتِهِ عَلَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ حَدِيثِ: لَا تُسَيِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا أَصْلَ لَهُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ وَرَدَ أَنَّ بِلَالًا أَوْ غَيْرَهُ أَذَّنُوا بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ إلَّا فِي أَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَنَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا شُرِعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُؤَذِّنْ قَبْلَهَا بِلَالٌ وَلَا غَيْرُهُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: إنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ الْعُطَاسَ وَالنُّعَاسَ وَالتَّثَاؤُبَ فِي الصَّلَاةِ. وَلَهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، هَلْ يُعَارِضُهُ الْخَبَرُ الضَّعِيفُ أَيْضًا الْمَوْقُوفُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ وَيُحِبُّ الْعُطَاسَ فِي الصَّلَاةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامَانِ: مَقَامُ إطْلَاقٍ وَمَقَامٌ نِسْبِيٌّ؛ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ التَّثَاؤُبَ وَالنُّعَاسَ كِلَاهُمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِذَا وَقَعَا فِي الصَّلَاةِ مَعَ كَوْنِهِمَا مِنْ الشَّيْطَانِ فَالْعُطَاسُ فِي الصَّلَاةِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ التَّثَاؤُبِ فِيهَا، وَالتَّثَاؤُبُ فِيهَا أَكْرَهُ إلَيْهِ مِنْ الْعُطَاسِ فِيهَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ أَثَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى تَفَاوُتِ رُتَبِ بَعْضِ الْمَكْرُوهِ عَلَى بَعْضٍ. كَذَا قِيلَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي الْجَوَابِ حَمْلُ الْعُطَاسِ الْمَحْبُوبِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَلِيلِهِ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِخُشُوعِهَا وَالْمَكْرُوهِ فِيهَا عَلَى كَثِيرِهِ الَّذِي يُخِلُّ بِخُشُوعِهَا.
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَبْعٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَذَكَرَ مِنْهَا شِدَّةَ الْعُطَاسِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فَتَأَمَّلْهُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ حَدِيثِ: التَّكْبِيرُ جَزْمٌ، مَنْ خَرَّجَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَفَسَّرَهُ أَوْ الرَّاوِي عَنْهُ أَوْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الْمُخَرِّجُ لَهُ عَنْهُ؛ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُمَدُّ، وَفَسَّرَهُ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْعَزِيزِ كَابْنِ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَجَمَاعَةٍ، وَبِهِ رُدَّ تَفْسِيرُ آخَرِينَ لَهُ بِأَنَّهُ تَسْكِينُ الرَّاءِ.
عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ الْجَزْمِ عَلَى حَذْفِ الْحَرَكَةِ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا فِي زَمَنِ النَّخَعِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَخَبَرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْطِقْ بِالتَّكْبِيرِ إلَّا مَجْزُومًا، قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ: لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ فَصَاحَتَهُ الْعَظِيمَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَأَخْذُ جَمْعٍ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطَ جَزْمِ الرَّاءِ - وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ - ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ لَحْنٌ، وَهُوَ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى لَا يُبْطِلُ فِي الْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا؛ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْنٍ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَصْرِيحٍ بِالْحَرَكَةِ فِي حَالِ الْوَقْفِ وَهُوَ دُونَ اللَّحْنِ؛ وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ تَعَمُّدُ هَذَا هُنَا، وَحَرُمَ تَعَمُّدُ اللَّحْنِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ، وَمَنْ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ اشْتِرَاطَ الْجَزْمِ فَقَدْ اسْتَرْوَحَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي النَّدْبِ لَا غَيْرُ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ ذَلِكَ مَعَ مَسْأَلَةِ الْمَدِّ.
وَمَدُّ التَّكْبِيرِ لَا يُبْطِلُ بِلَا خِلَافٍ، وَحَذْفُهُ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ. وَنَصُّ الْأُمِّ عَلَى جَزْمِهِ مُرَادُهُ بِهِ حَذْفُهُ وَعَدَمُ