للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِمْ السَّعْيُ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَبَذْلُ الْجُهْدِ فِي التَّعَلُّمِ مَا أَمْكَنَهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ: تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ وَمُتَوَالِيًا، فَإِذَا شُرِعَتْ لِلْإِمَامِ قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ جَهْرًا مَثَلًا، وَقُلْتُمْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَؤُهَا الْمَأْمُومُ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ فِي سُكُوتِهِ الْقِرَاءَةُ؛ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي سُكُوتِهِ الْأَوَّلِ يَقْرَأُ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ سِرًّا؛ لِاتِّصَالِهَا بِمَا يَقْرَؤُهُ جَهْرًا مِنْ سُورَةِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَمَا الَّذِي يَقْرَؤُهُ فِي السُّكُوتِ الثَّانِي؟ هَلْ يَقْرَأُ سُورَةَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ سِرًّا ثُمَّ جَهْرًا؟

وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَكْرِيرٌ مُحَافَظَةً عَلَى النَّمَطِ السَّابِقِ أَوْ الْحُكْمُ غَيْرُ ذَلِكَ؟ وَمَا هُوَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَأَدَامَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ السَّابِغَةَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْوَجْهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ النَّاسَ سِرًّا ثُمَّ جَهْرًا. وَلَا نَظَرَ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَكْرِيرِ قِرَاءَتِهَا؛ لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِإِذَا زُلْزِلَتْ مَرَّتَيْنِ كُلُّ مَرَّةٍ فِي رَكْعَةٍ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي ذَلِكَ لِلسُّنَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَلَّ بِتَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ أَوْ الْمُوَالَاةِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ.

هَذَا إنْ فُرِضَ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ بِخُصُوصِهِمَا جَهْرًا كَمَا فِي السُّؤَالِ، وَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ وَسَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك، فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ فَفِي الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ هَلْ أَتَاك فِي سُكُوتِهِ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ يَقْرَأُ السُّورَةَ بِكَمَالِهَا وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ التَّكْرِيرِ؛ لِمَا تَقَرَّرَ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسَنَّ الْجَهْرُ فِيهِمَا بِخُصُوصِهِمَا فَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي السُّكُوتِ الثَّانِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَقْرَأُ جَهْرًا مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ؛ كَمَا إذَا قَرَأَ جَهْرًا فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ بِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: ١] ، فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِأَوَّلِ الْبَقَرَةِ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ.

وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ يُلْزَمُ عَلَى قِرَاءَةِ النَّاسِ؛ إمَّا تَطْوِيلُ الثَّانِيَةِ إنْ أَكْمَلَ الْبَقَرَةَ؛ وَإِمَّا عَكْسُ التَّرْتِيبِ إنْ قَرَأَ بِغَيْرِهَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خِلَافُ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّا لَا نَأْمُرُهُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ، وَإِنَّمَا نَأْمُرُهُ بِقِرَاءَةِ نَحْوِ آيَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ، كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ أَوَّلَ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّمَا آثَرُوا هَذَا لِلِاضْطِرَارِ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ؛ إذْ تَطْوِيلُ الثَّانِيَةِ الَّذِي لَمْ يَرِدْ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ فَارْتِكَابُ بَعْضِ السُّورَةِ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَفْرِيقِهِ الْأَعْرَافَ عَلَى رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ وَقِرَاءَتِهِ آيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ.

وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ عَلَى عَكْسِ تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ أَيْضًا؛ فَكَانَ ارْتِكَابُ بَعْضِ السُّورَةِ أَوْلَى مِنْهُ. وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَكْعَةٍ بِالْبَقَرَةِ ثُمَّ بِالنِّسَاءِ ثُمَّ بِآلِ عِمْرَانَ - فَهُوَ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ آلَ عِمْرَانَ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، أَوْ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَأَمَّا أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي ثَانِيَتِهَا فَهُوَ إنَّمَا هُوَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ؛ وَهِيَ إعْلَامُهُ بِأَنْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ الْمَقْصُودَتَيْنِ لِذَاتِهِمَا، وَأَيْضًا تَرْتِيبُ السُّوَرِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَقِرَاءَةُ سُورَةٍ كَامِلَةٍ ثَبَتَ اجْتِهَادًا فَكَانَتْ مُخَالَفَةُ هَذَا الثَّانِي بِقِرَاءَةِ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ أَخَفَّ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَوَّلِ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهَا، فَتَأَمَّلْهُ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ الْإِحْضَارِ الْمَذْكُورِ مِنْ شَرَائِطِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلنِّيَّةِ حَتَّى تَتِمَّ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ؟ وَهَلْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ فَيُحْضِرُهُ؛ أَيْ مَا يَجِبُ قَصْدُهُ حَتْمًا وَيَتَلَفَّظُ بِهِ نَدْبًا، ثُمَّ يَقْصِدُهُ مُقَارِنًا لِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ أَنَّ النِّيَّةَ وَالْإِحْضَارَ شَيْئَانِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْإِحْضَارُ الْمَذْكُورُ شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِالنِّيَّةِ، فَهُوَ غَيْرُهَا، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَيْثُ قَالُوا مَا حَاصِلُهُ: الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَجِبُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى جَمِيعِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا مِنْ قَصْدِ الْفِعْلِ أَوْ وَالتَّعْيِينِ أَوْ وَالْفَرْضِيَّةِ أَوْ وَالْقَصْرِ أَوْ وَالِاقْتِدَاءِ أَوْ وَالْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؛ بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي ذِهْنِهِ ذَاتَ الصَّلَاةِ.

وَمَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ فِيهَا مِمَّا ذُكِرَ، ثُمَّ يَقْصِدُ إلَى فِعْلِ هَذَا الْمَعْلُومِ، وَيَجْعَلُ قَصْدَهُ هَذَا مُقْتَرِنًا بِأَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ، وَيَسْتَدِيمُ اسْتِحْضَارَ قَصْدِهِ لِتِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهَا النِّيَّةُ فِي قَلْبِهِ حَتَّى يُفْرِغَ الرَّاءَ مِنْ (أَكْبَرُ) . قَالَ بَعْضُهُمْ: وَتَسْمِيَةُ هَذِهِ الْإِدَامَةِ اسْتِمْرَارًا لِلنِّيَّةِ مَجَازٌ؛ إذْ اسْتِحْضَارُ النِّيَّةِ غَيْرُهَا؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْقَصْدِ عَلَى ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ. وَقِيلَ: يَجِبُ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي تَوْزِيعُهُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَبْتَدِئَهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>