وَيُنْهِيَهُ مَعَ انْتِهَائِهِ؛ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ خُلُوِّ مُعْظَمِ التَّكْبِيرِ عَنْ تَمَامِ النِّيَّةِ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْأَنْوَارِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ النِّيَّةَ أَيْ الْقَصْدَ إلَى تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى التَّكْبِيرِ.
وَلَوْ قَدَّمَ فَالِاعْتِبَارُ بِالْمُقَارَنِ بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِحْضَارُ فِي الذِّهْنِ ثُمَّ الْقَصْدُ إلَى الْمَعْلُومِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ النِّيَّةَ بِالْقَلْبِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ بِاللِّسَانِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا مَعَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكْبِيرِ اهـ.
وَقِيلَ: يَكْفِي ذَلِكَ التَّوْزِيعُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ - مُتَعَقِّبًا قَوْلَ إمَامِهِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ -: حَقِيقَةُ الْمُقَارَنَةِ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا تَحْوِيهِ الْقُدْرَةُ الْبَشَرِيَّةُ اهـ. وَأَمْرُ هَذِهِ الْمُقَارَنَةِ سَهْلٌ، وَإِنَّمَا سَبَبُ عُسْرِهِ الْوَسْوَسَةُ أَوْ الْجَهْلُ بِحَقِيقَتِهَا، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِيهِ بِمَا بَيَّنْت مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ تَرَكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يُعِيدُهُ فِي الثَّانِي كَمَا فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ تُجْبَرُ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ؟
وَإِذَا سَبَّحَ فِي الْأُولَى مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَهَلْ يُعِيدُ الْبَاقِيَ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الَّتِي فِيهَا أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَا تَرَكَهُ سَوَاءٌ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ فِي مُمَاثِلِهِ الَّذِي يَلِيه مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي تَعْقُبُ الْمَتْرُوكَ فِيهَا، وَالسُّجُودِ الَّذِي يَلِي الْمَتْرُوكَ فِيهِ مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ بِأَنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْهُ السُّجُودَ الْأَوَّلَ أَوْ رَكْعَةٍ أُخْرَى؛ بِأَنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْهُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ، سَوَاءٌ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا؛ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ: لَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ سَبِّحْ مِنْ أُولَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ أَوْ هَلْ أَتَاك فِي الثَّانِيَةِ.
وَإِنْ لَزِمَ تَطْوِيلُهَا عَلَى الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَتِهِ إذَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، وَهُنَا وَرَدَ بِهِ إذْ الْمُنَافِقُونَ وَالْغَاشِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْجُمُعَةِ أَوْ سَبِّحْ.
قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ: وَلِأَنَّ تَرْكَهُ أَدَبٌ لَا يُقَاوِمُ فَضْلَهُمَا. وَنَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْجُمُعَةُ فَاتَ مَحَلُّهَا مَعَ مُخَالَفَةِ سُنَّةِ التَّرْتِيبِ وَمَعَ التَّطْوِيلِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَيُرَدُّ بِمَنْعِ فَوَاتِ مَحَلِّهَا لِقَوْلِهِمْ: الْقَصْدُ أَنْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا، وَبِأَنَّ هَذَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ. وَالتَّطْوِيلُ إنَّمَا يُذَمُّ حَيْثُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ بِخُصُوصِهِ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهُمْ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَرَأَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْأُولَى فَقَطْ فِي الثَّانِيَةِ؛ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُسَنُّ لَهَا سُورَتَانِ مَخْصُوصَتَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ مُطْلَقًا؛ قِيَاسًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ التَّكْبِيرَاتِ السَّبْعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ لَمْ يَتَدَارَكْهَا فِي الثَّانِيَةِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ.
وَقَوْلُ الْعُبَابِ: إنَّهُ يَتَدَارَكُهَا فِي الثَّانِيَةِ مَعَ تَكْبِيرِهَا - سَهْوٌ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِهِ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرَاتِ لَمْ يَتَدَارَكْ الْفَائِتَ نَدْبًا فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ قَالُوا: وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ مَعَهُ خَمْسًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِي قَضَاءِ ذَلِكَ تَرْكَ سُنَّةٍ أُخْرَى، وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ، وَفَارَقَ مَا يَأْتِي فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ؛ بِأَنَّ السُّنَّةَ عَدَمُ السَّبْعِ فِي الثَّانِيَةِ. وَلَيْسَتْ السُّنَّةُ عَدَمَ السُّورَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ بَلْ لَا تُسَنُّ فِيهِمَا. وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَرْبِعَاءَ لَا يُسَنُّ صَوْمُهُ مَعَ أَنَّ مَنْ صَامَهُ أُثِيبَ؛ لِإِتْيَانِهِ بِعِبَادَةٍ، وَبِأَنَّ السُّنَّةَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدِ الْجَهْرُ، فَلَوْ أَتَى بِالتَّكْبِيرَةِ السَّادِسَةِ أَوْ السَّابِعَةِ جَهْرًا غَيَّرَ شِعَارَ الثَّانِيَةِ، بِخِلَافِ السُّوَرِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِهَا فَلَيْسَ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا تَغْيِيرُ شِعَارِ الْأَخِيرَتَيْنِ. وَقِيَاسًا أَيْضًا عَلَى مَا لَوْ تَرَكَ رَمَلَ الطَّوَافِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَا يَأْتِي بِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْمَشْيُ، وَعَلَى مَا لَوْ فُقِدَتْ يَمِينُهُ فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ بِيَسَارِهِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ فِيهِ بِيَمِينِهِ؛ لِفَوَاتِ سُنَّةِ بَسْطِ الْيَسَارِ، وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ فَيَأْتِي بِذَلِكَ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَأْتِي بِهِ؛ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ: لَوْ فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ أُوِّلَتَا الرُّبَاعِيَّةِ - قَرَأَ السُّورَةَ سِرًّا فِي أَخِيرَتَيْهِمَا؛ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْهُمَا، فَلَمْ يَقُولُوا بِنَدْبِ التَّدَارُكِ هُنَا إلَّا لِلْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لَوْ أَدْرَكَ ثَانِيَةَ رُبَاعِيَّتِهِ وَأَمْكَنَتْهُ السُّورَةُ فِي أُولَيَيْهِ تَرَكَهَا فِي الْبَاقِي، وَإِنْ تَعَذَّرَتْ فِي ثَانِيَتِهِ دُونَ ثَالِثَتِهِ قَرَأَهَا، وَلَا يَقْرَؤُهَا فِي الرَّابِعَةِ اهـ.
فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ ظَهَرَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ وَجْهًا وَسَنَدًا مِنْ كَلَامِهِمْ، فَمَا الَّذِي يَتَرَجَّحُ مِنْهَا؟ قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ إمَامَ