للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ لَا يُتَدَارَكُ؛ لِأَنَّهُ يُطَوِّلُ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يَرِدْ؛ إذْ السُّنَّةُ لَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَهُ قِرَاءَةُ تَيْنِك السُّورَتَيْنِ، وَإِنْ طَوَّلَ عَلَيْهِمْ؛ لِوُرُودِهِمَا فِيهَا بِخُصُوصِهِمَا. وَالْمَأْمُومُ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ تَطْوِيلًا وَضِدَّهُ.

وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ وَإِمَامُ الْمَحْصُورِينَ الرَّاضِينَ بِشَرْطِهِمْ فَيُتَدَارَكُ كُلٌّ مِنْهُمَا إنْ عُذِرَ؛ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُسَنُّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَبِمَا فَوَّتَهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ شَيْءٌ بِخُصُوصِهَا، فَتَأَكَّدَتْ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَوَّلَ أَوْ أَخَلَّ بِالتَّرْتِيبِ أَوْ تَعَمَّدَ التَّرْكَ كَمَا مَرَّ.

وَالسُّجُودُ وَالرُّكُوعُ لَمْ يَرِدْ فِيهِمَا شَيْءٌ خَاصٌّ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ؛ فَكَانَتْ أَذْكَارُهُمَا أَشْبَهَ بِمُطْلَقِ السُّورَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَيَأْتِي فِيهِمَا مَا فِيهَا، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْعِيدِ وَالطَّوَافِ وَالتَّشَهُّدِ بِأَنَّ التَّدَارُكَ ثَمَّ يَلْزَمُهُ فَوَاتُ شِعَارٍ مَنْدُوبٍ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا صُورَتُهُ: ذَكَرُوا أَوَائِلَ بَابِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ، هَلْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟

وَذَكَرُوا فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ مَا قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ حَيْثُ قَالُوا - وَاللَّفْظُ لِلْعُبَابِ -: وَإِذَا أَحْدَثَ وَمَسَحَ وَصَلَّى عَقِبَهُ صَلَوَاتٍ، إلَى قَوْلِهِ: وَفِي الْمَسْحِ بِأَنَّهُ لِزَمَنٍ يَسَعُ أَرْبَعًا اهـ فَإِنَّ فِي هَذَا إلْزَامًا بِالْقَضَاءِ بِالشَّكِّ بَعْدَ الْوَقْتِ، كَمَا لَا يَخْفَى؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْأُولَى كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ أَنْ يَشُكَّ: هَلْ لَزِمَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ ذِمَّتَهُ أَوْ لَا؟ وَعَدَمُ اللُّزُومِ فِي هَذِهِ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَغْلُ الذِّمَّةِ بِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ: هَلْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ؟ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ هُنَا تَيَقَّنَ لُزُومَهَا لِذِمَّتِهِ، وَشَكَّ فِي أَدَائِهَا فَلَزِمَهُ، وَكَذَا فِيمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَقْضِيَّةَ لَزِمَتْ ذِمَّتَهُ يَقِينًا ثُمَّ شَكَّ فِي بَعْضِهَا: هَلْ فَعَلَهُ أَوْ لَا؟ فَلَزِمَهُ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِهِ لَهُ،

فَإِنْ قُلْتَ: شَكُّهُ فِي أَنَّهَا هَلْ لَزِمَتْ ذِمَّتَهُ شَكٌّ فِي أَنَّهُ هَلْ صَلَّاهَا أَوْ لَا؟ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا.

قُلْتُ: مَمْنُوعٌ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي اللُّزُومِ شَكٌّ فِي طَارِئٍ عَلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَالشَّكُّ فِي الْفِعْلِ شَكٌّ فِي مُسْقِطٍ لِمَا لَزِمَ الذِّمَّةَ، وَكَوْنُ مَا حَصَلَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ قَدْ يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ لَا نَظَرَ إلَيْهِ؛ لِبُعْدِهِ وَعَدَمِ تَبَادُرِهِ مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْتُنِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ ذَكَرْتُ حَاصِلَ مَا مَرَّ مَعَ نَقْلِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَعِبَارَتُهُ: قَالَ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا - وَأَقَرَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ -: وَمَنْ تَرَدَّدَ فِيمَا مَضَى مِنْ صَلَاةِ شَهْرٍ مَثَلًا؛ أَيْ هَلْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ لَمْ يُؤَثِّرْ قَطْعًا اهـ وَيُؤَيِّدُهُ - بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ - قَوْلُ الْمَجْمُوعِ: لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ هَلْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ؟ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا، فَإِنْ قَضَاهَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلَيْهِ لَمْ تُجْزِئْهُ اتِّفَاقًا اهـ وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ هَلْ صَلَّى أَوْ لَا؟ لَزِمَتْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ؛ لِمَا فِي كُلٍّ مِنْ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ؛ إذْ هُوَ فِي الْأُولَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَدَمُ فِعْلِهَا. وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ اتِّحَادَهُمَا؛ فَنَقَلَ فِي هَذِهِ عَنْ الْمَجْمُوعِ عَدَمَ اللُّزُومِ، وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا؛ إذْ الَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ الثَّانِيَةُ مِثْلَهَا كَمَا عَلِمْتَ.

نَعَمْ، نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ شَكَّ هَلْ قَضَى الْفَائِتَةَ الَّتِي عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا اهـ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ.

وَلَا يُنَافِي مَا فِي الْمَتْنِ قَوْلُ الْقَفَّالِ لَوْ لَمْ يَدْرِ عَدَدَ فَائِتَتِهِ؛ فَإِنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ؛ كَأَنْ قَالَ: أَنَا شَاكٌّ فِي أَنِّي تَرَكْت الصَّلَاةَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ لَمْ أَتْرُكْ إلَّا صَلَوَاتِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ - لَزِمَهُ قَضَاءُ صَلَوَاتِ جَمِيعِ الْعَشْرِ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ شَكَّ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَشُكُّ هَلْ هِيَ عَشْرُ صَلَوَاتٍ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ جَمِيعُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ الْوَقْتَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ اهـ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُ أَوَّلَ الْفَرْعِ. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا عَدَمُ التَّرْكِ، فَهُوَ كَأَصْلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ ثَمَّ، وَهُنَا فِي صُورَتِهِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهَا، وَلَا الْأَقَلُّ؛ لِلْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَمَعَ النَّظَرِ إلَيْهِ لَا تَظْهَرُ تَفْرِقَتُهُ الْمَذْكُورَةُ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْرِفَ وَقْتَ الشَّكِّ وَأَنْ لَا. وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَيْضًا ضَعْفُ قَوْلِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ وَنَقْدٌ فَشَكَّ هَلْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَوْ الْكُلِّ؟ لَزِمَهُ الْكُلُّ، أَوْ هَلْ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ مِنْ جُمْلَةِ الزَّكَاةِ أَوْ أَرْبَعُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>