بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - عَمَّنْ صَلَّى عَلَى السَّطْحِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّطْحِ أَيْ الْجَانِبِ الَّذِي إلَى الشَّارِعِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَلَا حَائِطَ عَلَى السَّطْحِ مُرْتَفِعٌ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، فَهَلْ يُغْنِي عَنْ السُّتْرَةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يُغْنِي عَنْ السُّتْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ السُّتْرَةِ دَفْعُ الشَّيْطَانِ وَالْمَارِّ حَتَّى لَا يَقْطَعَا عَلَيْهِ صَلَاتَهُ بِاشْتِغَالِهِ بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهَا تَقْوَى وَتَزِيدُ عِنْدَ عَدَمِ السُّتْرَةِ وَبِمُرُورِ الْمَارِّ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا فِي أَمَامِهِ» .
وَصَحَّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِي بِمَا مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ» وَقَالَ «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» وَقَالَ «يُجْزِي مِنْ السُّتْرَةِ مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ وَلَوْ بِدِقَّةِ شَعْرَةٍ» وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إلَيْهَا» .
فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَاتِرٍ بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي؛ حَتَّى يَمْتَنِعَ بِسَبَبِهِ النَّاسُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَشْتَغِلَ بِهِمْ وَالشَّيْطَانُ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُ، فَيَقْطَعُ صَلَاتَهُ بِوَسْوَسَتِهِ لِقُوَّتِهَا حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّ، وَأَنَّ قُرْبَهُ مِنْ السَّطْحِ الْمَذْكُورِ لَا يُغْنِي عَنْ السُّتْرَةِ وَإِنْ امْتَنَعَ بِسَبَبِهِ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَادَةً لِبَقَاءِ مُرُورِ الشَّيْطَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ.
وَالْمَحْذُورُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى مُرُورِهِ أَقْوَى مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُرُورِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ الْحَاصِلَةَ بِوَسْوَسَتِهِ أَسْرَعُ وُقُوعًا وَأَقْبَحُ جِنْسًا وَنَوْعًا.
وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ؛ إذْ حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ مِنْهُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِمُرِيدِ الصَّلَاةِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى نَحْوِ جِدَارٍ أَوْ عَمُودٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَإِلَى شَاخِصٍ طُولُهُ ثُلُثَا ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الْيَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَإِلَى مُصَلًّى يَفْتَرِشُهُ كَسَجَّادَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَإِلَى خَطٍّ يَخُطُّهُ مِنْ قَدَمَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ طُولًا لَا عَرْضًا، وَمَتَى عَدَلَ عَنْ رُتْبَةٍ إلَى دُونِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَانَتْ كَالْعَدَمِ.
وَسَكَتُوا عَنْ قَدْرِ الْمُصَلَّى وَالْخَطِّ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُمَا كَالشَّاخِصِ وَيُسَنُّ أَنْ يُمِيلَ السُّتْرَةَ عَنْ وَجْهِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَيَجِبُ أَنْ لَا يُبْعِدَهَا عَنْ قَدَمَيْهِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ، وَمَتَى اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَرَهَا مُقَلِّدُ الْمَارِّ فِيمَا يَظْهَرُ حَرُمَ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَلَوْ لِضَرُورَةٍ، وَلَوْ بَعْدَ إزَالَتِهَا فِي الْأَثْنَاءِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مَا لَمْ يُقَصِّرْ الْمُصَلِّي بِنَحْوِ وُقُوفٍ بِقَارِعَةِ طَرِيقٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ ضَيِّقٍ أَوْ بَابِ مَسْجِدٍ أَوْ بِالْمَطَافِ وَقْتَ طَوَافِ النَّاسِ.
هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِمْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ طَرَفِ السَّطْحِ الْمَذْكُورِ لَا يُغْنِي عَنْ السَّتْرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(سُئِلَ) - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - عَمَّا لَوْ وُجِدَ إمَامُ الْجَامِعِ أَوْ شَخْصٌ آخَرُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ، هَلْ يُنْدَبُ لِمَنْ يُصَلِّي مُقْتَدِيًا بِمَنْ ذُكِرَ أَنْ يَقْرَبَ مِنْ سُتْرَةٍ وَإِنْ أَدَّى إلَى الِانْفِرَادِ عَنْ الصَّفِّ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ، فَهَلْ يُرَاعَى التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِي الشَّاخِصِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَبْسُطَ مُصَلًّى وَيَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَعْدِلُ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَجِدَ حَائِطًا أَوْ سَارِيَةً وَإِنْ بَعُدَتْ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخَطُّ فِي الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهِ مُجَصَّصًا، هَلْ لَهُ أَنْ يَخُطَّ فِيهِ بِمِدَادٍ وَنَحْوِهِ؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - بِقَوْلِهِ: إنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي أَنَّهُ حَيْثُ تَعَارَضَ السُّتْرَةُ وَالِانْفِرَادُ فِي الصَّلَاةِ؛ بِأَنْ كَانَ لَوْ اسْتَتَرَ السُّتْرَةَ الْمُعْتَبَرَةَ وَقَفَ مُنْفَرِدًا، وَلَوْ وَقَفَ فِي الصَّفِّ وَقَفَ بِلَا سُتْرَةٍ - قَدَّمَ الْوُقُوفَ فِي الصَّفِّ؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِهِ أَكْثَرُ بِدَلِيلِ الْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي أَنَّ مَنْ وَقَفَ مُنْفَرِدًا عَنْ الصَّفِّ مَعَ إمْكَانِ الدُّخُولِ فِيهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا؛ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ عِنْدَهُمْ، بَلْ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ لَكِنْ أَجَبْتُ عَنْهُ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ بِمَا ظَهَرَ بِهِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وُضُوحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَئِمَّتُنَا، بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى بِلَا سُتْرَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ، كَذَلِكَ وَمَا جَرَى خِلَافٌ فِي الْإِبْطَالِ بِفَقْدِهِ أَوْلَى مِمَّا لَمْ يَجْرِ فِي فَقْدِهِ خِلَافٌ، بَلْ مَا جَرَى فِي الْإِبْطَالِ بِفَقْدِهِ خِلَافٌ قَوِيٌّ أَوْلَى مِمَّا جَرَى فِي الْإِبْطَالِ بِفَقْدِهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُتَفَرِّقَاتُ