للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالْخَطِّ هُوَ مَا فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: الْحَقُّ مَا فِي الْإِقْلِيدِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَإِنَّمَا قَاسُوهُ عَلَى الْخَطِّ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ - مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمَقِيسَ قَدْ يَكُونُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ؛ نَظَرًا لِلْمَقْصُودِ كَمَا فِي الْخَطِّ مَعَ الْإِيتَاءِ فِي الْكِتَابَةِ، وَبِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَوْلَى نَظَرًا لِلْمَعْنَى - وَهُوَ ظُهُورُ السَّتْرِ - لَكِنْ الْخَطُّ خَالَفَ فِيهِ كَثِيرُونَ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَمْنَعُوا الْمُصَلِّيَ؛ لِمَا ذُكِرَ وَلَوْ عَجَزَ عَمَّا عَدَا الْخَطِّ أَوْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخُطَّ فِيهِ خَطًّا كَأَنْ يَكُونَ بِمَسْجِدٍ مُجَصَّصٍ ثُمَّ خَطَّ بَيْنَ يَدَيْهِ طُولًا أَوْ عَرْضًا عَلَى مَا مَرَّ خَطًّا بِمِدَادٍ، أَوْ جَعَلَ مَحَلَّ الْخَطِّ عَلَامَةً أُخْرَى؛ كَأَنْ كَانَ مَعَهُ عَصًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ نَصْبُهَا فَبَسَطَهَا عَلَى هَيْئَةِ الْخَطِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ:

إنَّ ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْخَطِّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ إشْعَارُ الْمَارِّ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، وَبِأَنَّ الْقَصْدَ بِالسُّتْرَةِ لَيْسَ دَفْعَ الْمَارِّ فَحَسْبُ، بَلْ دَفْعُ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَى الْمُصَلِّي الْمُسَبَّبِ مِنْ عَدَمِ السُّتْرَةِ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا صَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْخَطِّ فَلَا تَحْصُلُ سُنَّةُ السَّتْرِ بِذَلِكَ، وَيَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّ السَّتْرَ بِهِ غَيْرُ مُعْتَادٍ فِي الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ الْمَارُّ مَعَ وُجُودِهِ مَعْذُورًا. وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ هُوَ الْأَوَّلُ فَيَحْصُلُ بِهِ سُنَّةُ السَّتْرِ بِذَلِكَ.

وَيَحْرُمُ الْمُرُورُ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ سُتْرَةٌ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السُّتْرَةَ يُشْتَرَطُ اعْتِيَادُهَا؛ فَإِنَّ الْخَطَّ نَفْسَهُ لَمْ يُعْتَدَّ السَّتْرُ بِهِ إلَّا نَادِرًا، فَتَكُونُ هَذِهِ مُلْحَقَةً بِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ ظُهُورِ السُّتْرَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْخَطَّ لَيْسَ فِيهِ سُتْرَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ الْخِلَافُ الْقَوِيُّ لَوْلَا صِحَّةُ الْحَدِيثِ بِهِ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ. وَمَعَ عَدَمِ ظُهُورِ السُّتْرَةِ فِيهِ جَعَلُوهُ سُتْرَةً؛ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ وَأَلْحَقُوا بِهِ الْمُصَلِّيَ الْأَوْلَى مِنْهُ بِالْحُكْمِ؛ لِظُهُورِ السُّتْرَةِ فِيهِ كَمَا مَرَّ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ظُهُورَ السُّتْرَةِ لَيْسَ شَرْطًا، وَعَلَى أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْخَطِّ لَيْسَ تَعَبُّدًا بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ إشْعَارُ الْمَارِّ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُرُورِ وَالشَّيْطَانِ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّسَلُّطِ عَلَى الْمُصَلِّي؛ لِقَطْعِ صَلَاتِهِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي وَضْعِ الْعَصَا عَلَى هَيْئَةِ الْخَطِّ بِالْمِدَادِ السَّابِقِ وَنَحْوِهِمَا فَظَهَرَ إلْحَاقُهُمَا بِهِ وَالِاعْتِدَادُ بِهِمَا فِي السُّتْرَةِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ هُمَا فِي مَرْتَبَةِ الْخَطِّ؛ لِأَنَّهُمَا مُلْحَقَانِ بِهِ أَوْ فِي مَرْتَبَةِ الْمُصَلِّي؟ الَّذِي يَتَّجِهُ - الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِيهِ مِنْ ظُهُورِ السُّتْرَةِ مَا لَيْسَ فِيهَا فَكَانَ إلْحَاقُهُمَا بِالْخَطِّ وَجَعْلُهُمَا فِي مَرْتَبَتِهِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ فَتْحِ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ الَّذِي غَلِطَ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ هَلْ تَبْطُلُ بِهِ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ إذَا قَصَدَ الرَّدَّ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَمْ لَا عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ كَالدَّمِيرِيِّ وَابْنِ الْعِمَادِ وَمَا الَّذِي يُفْتَى بِهِ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ وَهَلْ نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمُونَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَصْدُ الْقِرَاءَةِ مُخْتَصٌّ بِالْفَاتِحَةِ إذَا تَوَافَقَ مَحَلُّ قِرَاءَتِهَا أَمْ لَا؟ وَالتَّسْبِيحُ لِلتَّنْبِيهِ وَالْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ لِلْإِعْلَامِ كَالْفَتْحِ أَمْ لَا؟ وَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ بَيِّنُوا لَنَا بَيَانًا شَافِيًا؟

(فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: أَمَّا مَسْأَلَةُ الْفَتْحِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْإِعْلَامِ بِالتَّكْبِيرِ فَفِيهَا اضْطِرَابٌ، وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْ نَبَّهَ غَيْرَهُ بِقُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ؛ كَأَنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اسْتَأْذَنُوا فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ: اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّنْبِيهَ وَحْدَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، كَمَا فِي تَحْقِيقِ النَّوَوِيِّ وَدَقَائِقِهِ، وَبَحَثَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ إنْ كَانَ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَى تِلْكَ الْآيَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، بَلْ حَيْثُ وُجِدَ صَارِفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا يَأْتِي، وَيَأْتِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالذِّكْرِ؛ كَأَنْ أُرْتِجَ عَلَيْهِ نَحْوُ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ فِي التَّشَهُّدِ فَقَالَهَا الْمَأْمُومُ، وَفِي الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الْمُبَلِّغِ فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ أَوْ الذِّكْرَ أَوْ التَّكْبِيرَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ قَصْدِ الْإِعْلَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ وَحْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ بَطَلَتْ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا لَا يَصْلُحُ لِتَخَاطُبِ النَّاسِ بِهِ مِنْ نَظْمِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَمَا يَصْلُحُ، خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>