للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَخَيَّرُ بَيْنَ صَرْفِهِ لَهَا أَوْ لِلْحَدَثِ؛ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، قُلْت: لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ فَبَيْنَهُمَا نَوْعُ تَسَاوٍ، وَأَيْضًا فَلِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا صَرْفَهُ لَهَا حِينَئِذٍ لَكَانَ مُصَلِّيًا مَعَ الْحَدَثِ فَلَمْ يُفِدْ الْوُجُوبُ شَيْئًا، وَأَمَّا مَا يُتَخَيَّلُ مِنْ أَنَّهُ يُفِيدُ تَخْفِيفًا فَإِنَّهُ لَوْ صُرِفَ لَهَا صَلَّى بِحَدَثٍ عَنْهُ بَدَلٌ؛ وَهُوَ التَّيَمُّمُ، وَلَوْ صُرِفَ لَهُ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لَيْسَ عَنْهَا بَدَلٌ، فَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ تَقَارُبَهُمَا فِي الشَّرْطِيَّةِ - مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ - اقْتَضَى الْمُسَامَحَةَ لَهُ حَتَّى خُيِّرَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّخَيُّلُ هُوَ مَلْحَظَ مَا فِي بَعْضِ كُتُبِ النَّوَوِيِّ أَيْضًا، وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ إطْلَاقِ وُجُوبِ تَقْدِيمِهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ذَرْقِ الذُّبَابِ إذَا وَقَعَ فِي الدَّوَاةِ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي النُّكَتِ بِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ: مَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ تَحَرَّكَ فِي الصَّلَاةِ حَرَكَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَ حَرَكَةً لِشَيْءٍ مَسْنُونٍ فِي الصَّلَاةِ؛ كَأَنْ رَأَى بَيْنَ قَدَمَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ شِبْرٍ وَأَرَادَ تَقْرِيبَهُمَا، أَوْ رَآهُمَا زَائِلَتَيْنِ عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ وَأَرَادَ تَوَجُّهَهُمَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ خَطَا بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ نَقَلَ الْأُخْرَى إلَى مُحَاذَاتِهَا لَا يُعَدُّ خُطْوَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، فَهَلْ حُكْمُ كُلِّ مَسْنُونٍ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ؟ وَلَوْ زَالَتْ الْأَقْدَامُ وَأَطْرَافُهَا عَنْ مَحَلِّهَا حَالَ الْقِيَامِ عِنْدَ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ هَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ حَرَكَاتٍ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ تَصْفِيقَ الْمَرْأَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَدَفْعَ الْمُصَلِّي لِلْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَةٍ مَعَ كَوْنِهِمَا مَنْدُوبَتَيْنِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبُطْلَانُ فِيمَا لَوْ تَحَرَّكَ حَرَكَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ عَقَّبَهُمَا بِحَرَكَةٍ أُخْرَى مَسْنُونَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لَا تُغْتَفَرُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ مَعَ الْعُذْرِ، فَأَوْلَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَشَرْطُ الْحَرَكَةِ الَّتِي تُبْطِلُ ضَمُّ حَرَكَتَيْنِ إلَيْهَا - أَنْ تَكُونَ بِعُضْوٍ مُسْتَقِلٍّ فَلَا أَثَرَ لِحَرَكَةِ نَحْوِ الْأَصَابِعِ وَإِنْ كَثُرَتْ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْكَافِي بِأَنَّ الذَّهَابَ وَالْعَوْدَ فِي الْحَكِّ وَالرَّفْعِ وَالْوَضْعِ مُغَايَرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحِينَئِذٍ فَيُعْرَفُ حُكْمُ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ زَوَالِ أَطْرَافِ الْأَقْدَامِ أَوْ نَفْسِهَا عَنْ مَحَلِّهَا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ: ذَكَرُوا أَنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ فِي النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا مَا لَمْ يُبَاشِرْهَا مَائِعٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا كَانَ لِأَحَدِنَا إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ» . . . إلَخْ - فِيهِ الرِّيقُ، وَهُوَ مَائِعٌ، فَهَلْ يُقَالُ: هُوَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مُطَهِّرٌ لِلنَّجَاسَةِ - يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي التَّنْجِيسِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى التَّطْهِيرِ بِالْمَائِعِ وَلَا عَلَى عَدَمِهِ، وَلَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ الِاخْتِلَاطُ بِهِ أَوْ يُؤَثِّرُ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ إنَّهَا صَلَّتْ فِي الثَّوْبِ الَّذِي أَصَابَهُ، ذَلِكَ قَبْلَ تَطْهِيرِهِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ غَيْرُ حُجَّةٍ عِنْدَنَا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ؛ مِنْ السَّلَسِ وَغَيْرِهِ، اُبْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ سَلَسَ الْبَوْلِ وَالْمَذْيَ وَغَيْرَهُمَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِسَلَسٍ هُوَ عَادَةٌ وَمَرَضٌ، أَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ بِسَبَبٍ حَادِثٍ كَنَظَرٍ وَقُبْلَةٍ فَلَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ وَالْوُضُوءِ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلنَّفْلِ وَالْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ سَلَسِ الْبَوْلِ فِي الثَّوْبِ وَالْعِصَابَةِ بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ الْآتِيَةِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ أَوْ تَجْفِيفُهُ وَغَسْلُ الْعِصَابَةِ أَوْ تَجْدِيدُهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَيُعْفَى عَنْ كَثِيرِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْحَشْوُ لِتَأَذِّيهَا بِهِ اهـ.

وَقَوْلُهُ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ بَوْلِ السَّلَسِ فِي الثَّوْبِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ التَّنْبِيهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ اعْتِمَادُهُ، لَكِنْ تَفْرِقَتُهُ فِي الْعَفْوِ بَيْنَ بَوْلِ السَّلَسِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فِيهَا نَظَرٌ، وَالْوَجْهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْعَفْوِ؛ عَنْ قَلِيلِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّوْبِ؛ وَعَنْ كَثِيرِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِصَابَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ: وَأَصْلُهَا الضَّرْبُ السَّادِسُ؛ أَيْ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا فِي أَنْوَاعٍ مُتَفَرِّقَةٍ، مِنْهَا النَّجَاسَةُ الَّتِي تَسْتَصْحِبُهَا الْمُسْتَحَاضَةُ، وَسَلَسُ الْبَوْلِ، فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْعَفْوِ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ بَحَثَ الْعَفْوَ عَنْ قَلِيلِ الْبَوْلِ مِنْ الصَّحِيحِ، قَالَ: لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِهِ أَغْلَبُ وَأَعَمُّ مِنْ الدَّمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>