للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَصْدٍ، وَأَمَّا قَصْدُهُ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوَّلًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي وَلَك حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ.

وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا صُبَّ الْمَاءُ عَلَى نَحْوِ الْعَجِينِ الْغَالِبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمَسَّ الْمَاءُ شَيْئًا مِنْ مُحَاذِي الْحَائِلِ لِأَنَّ مَسَّ الْمَاءِ لِلْعَجِينِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ لِشَيْءٍ مِمَّا حَاذَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ وَوَاضِحٌ أَنَّ مَاءَ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْمُحَاذِي الَّذِي لَا حَائِلَ عَلَيْهِ مُسْتَعْمَلٌ، وَقَدْ اخْتَلَطَ بِبَقِيَّةِ الْمَاءِ وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ جَمِيعُهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ بَعْدَ جَرَيَانِهِ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمُ تَغَيُّرِهِ بِهِ لَا يَرْفَعُ حَدَثًا لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ إذْ الطَّهُورُ إذَا اخْتَلَطَ بِهِ مُسْتَعْمَلٌ يَصِيرُ كُلُّهُ مُسْتَعْمَلًا فَإِنْ قُلْت شَرْطُ الْمُسْتَعْمَلِ الِانْفِصَالُ قُلْت الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، بَلْ يُثْبِتُ لِلْمَاءِ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَذْهَبِهِ فِي مَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَظَهَرَ صِحَّةُ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ.

وَإِنْ فَرَضْنَا انْقِطَاعَ مَسْأَلَةِ الْعَجِينِ عَمَّا قَبْلَهَا، وَأَنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِعْمَالُ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ وَأَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى طَرِيقَتِهِ وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلسَّيِّدِ السَّمْهُودِيّ هَذَا الْحَمْلُ بِقِسْمَيْهِ جَعَلَ هَذَا مُتَعَلِّقًا بِمَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ وَرَأَى أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى ذَلِكَ نَظَرًا لِصِحَّةِ الْمَعْنَى بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَأْبَى ذَلِكَ وَلَمَّا ظَهَرَ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ وَمَنْ تَبِعَهُ صِحَّةُ حَمْلِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ نَقَلُوهُ وَأَقَرُّوهُ مَشْيًا مَعَ ظَاهِر الْعِبَارَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَجَوُّزٌ بَعِيدٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمْلِ الْأَوَّلِ وَحُمِلَ عَلَى مَا يُوَافِقُ الْغَالِبَ لَا مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمْلِ الثَّانِي.

وَالتَّجَوُّزُ الْبَعِيدُ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ كَثِيرًا اتِّكَالًا عَلَى فَهْمِ النَّاظِرِينَ فِي كُتُبِهِمْ وَكَانَ اللَّائِقُ بِالْمُزَجَّدِ أَنْ يُؤَوِّلَ كَلَامَ الْقَاضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَوَّلْنَا بِهِ وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا وَاضِحٌ لَكِنْ عُذْرُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرِينَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِمْ تَخْتَلِفُ مَقَاصِدُهُمْ فَمِنْهُمْ: مَنْ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ النَّظَرُ إلَى ظَوَاهِرِ الْعِبَارَاتِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهَا فَيُبَيِّنُ مَا فِيهَا مِنْ اعْتِرَاضٍ وَنَقْدٍ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا رَدَّهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ كَانَ جَلِيًّا قَصَدَ بِتَبْيِينِهِ الْأَغْبِيَاءَ وَتَشْحِيذَ أَذْهَانِ غَيْرِهِمْ وَمِنْهُمْ: مَنْ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ النَّظَرُ مَعَ ذَلِكَ إلَى مُرَاعَاةِ الْقَوَاعِدِ وَالنَّظَائِرِ فَلَا يَعْتَرِضُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا تَعْوِيلًا عَلَى الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أَبْوَابِهَا وَمَحَالِّهَا، وَالْمُتَأَخِّرُونَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - انْقَسَمُوا إلَى هَذَيْنِ الْفِرْقَتَيْنِ

وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ قَدْ يَتَرَجَّحُ حُسْنُهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا نَقَلَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ الْقَاضِي، وَتَعْلِيلَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَعْتَرِضْهُ بِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ أَنْ يُزِيلَ مَانِعًا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُرِيدُونَ بِالِاسْتِعْمَالِ الِاسْتِعْمَالَ اللُّغَوِيَّ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَعُودُ إلَى مَا فِي السُّؤَالِ فَنَقُولُ بِتَأَمُّلِ مَا أَوْضَحْنَاهُ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ فَعَلَى هَذَا مَا جَوَابُ مَسْأَلَةِ الْعَجِينِ إذَا انْفَرَدَتْ. .. إلَخْ؟

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَوْجَهَ فِيهَا مَا مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيِّ مَبْسُوطًا مِنْ أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ أَوْ لَمْ يُزِلْ الْحَائِلَ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَزَالَ الْحَائِلُ بِتِلْكَ الْغَسْلَةِ فَإِنْ قَصَدَ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ أَطْلَقَ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ، وَإِنْ قَصَدَ إزَالَةَ الْحَائِلِ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَرْتَفِعْ لِأَنَّ قَصْدَ الْإِزَالَةِ حِينَئِذٍ صَارِفٌ.

وَعَنْ قَوْلِهِ: (وَلَا يَلِيقُ فَهْمُ الْمُزَجَّدِ. .. إلَخْ) وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَقْرِيرَ النَّوَوِيِّ لِلْقَاضِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ مُسْتَقِلٌّ إنَّمَا هُوَ لِوُضُوحِ الْمُرَادِ وَالْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الِاعْتِرَاضَ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ بِنَاءً عَلَى سُلُوكِ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى السَّابِقَةِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَهَا قَدْ يَكُونُ أَحْسَنَ وَعَنْ قَوْلِهِ: (وَمَا مَعْنَى الْحُكْمِ بِالِاسْتِعْمَالِ مَعَ كَوْنِهِمَا ذَكَرَاهَا مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً؟ وَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّهُمَا فَهِمَا أَنَّ الْقَاضِي أَرَادَ الِاسْتِعْمَالَ اللُّغَوِيَّ أَوْ الشَّرْعِيَّ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَبِهَذَا عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ أَيْضًا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْإِمَامِ ابْنِ النَّحْوِيِّ وَالدَّمِيرِيِّ التَّقْرِيرُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالِاسْتِعْمَالِ. .. إلَخْ) فَوَضَحَ الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَزَالَ مَا فِيهَا مِنْ الْإِشْكَالِ نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَالسَّدَادَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ آمِينَ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا انْغَمَسَ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ إلَّا عَنْ وَجْهِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ انْغِسَالِهِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَتَعَدُّدِ مَحَلِّ الْحَدَثِ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ كَجُنُبَيْنِ انْغَمَسَا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، وَتَقَدَّمَتْ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا فَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ تَأَخَّرَتْ نِيَّتُهُ.

وَإِطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُسْتَعْمَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>