للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ غَيْرُ طَهُورٍ) فَاكْتَفَى بِهَذَا عَنْ إعَادَتِهِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ كَمَا اكْتَفَى بِقَوْلِهِ: فِي بَابِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ (إنَّ الْمُحْدِثَ إذَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَكْفِي لَهَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ) عَنْ إعَادَتِهِ فِي بَابِ الْجِنَازَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَالْوَاجِبُ تَعْمِيمُ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ. وَهَلْ صَرَّحَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؟ وَهَلْ فَرَّقَ بَيْنَ تَعَدُّدِ الْمَحَلِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ لَوْ انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَاوِيًا رَفْعَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فِيهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهُ حَدَثًا أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ صَحَّ رَفْعُ حَدَثِهِ الثَّانِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْهُ فَيُعِيدُ الِانْغِمَاسَ فِيهِ لِلْمُحْدِثِ الثَّانِي وَيُجْزِئُهُ أَنَّ الْمُنْغَمِسَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ لِلْوُضُوءِ بِهِ كَالْجُنُبِ فِيمَا ذُكِرَ فَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ انْغِمَاسِ الْجُنُبِ، وَمِثْلُهُ الْمُتَوَضِّئُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَقَرَّهُ وَبِهِ صَرَّحَ أَيْضًا الْخُوَارِزْمِيُّ فِي كَافِيهِ حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِ الْغُسَالَةِ بَعْدَ الْفَصْلِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ جُنُبٌ مَاءً قَلِيلًا ثُمَّ انْغَمَسَ فِيهِ ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ فَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ انْغَمَسَ ثَانِيًا صَحَّتْ طَهَارَتُهَا.

فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ كَالشَّرَفِ ابْنِ الْمُقْرِي مِنْ أَنَّ حَدَثَهُ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا عَنْ الْوَجْهِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِيهِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ يُرَدُّ حُكْمًا بِأَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ كَمَا عَلِمْت، وَتَعْلِيلًا بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي مَسْأَلَةِ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ فِي مَسْأَلَةِ الِانْغِمَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوُضُوءِ بِأَنَّ عِلَّةَ ارْتِفَاعِهِ بِذَلِكَ مَعَ فَقْدِ التَّرْتِيبِ فِيهِ أَنَّ التَّرْتِيبَ تَقْدِيرِيٌّ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ، وَأَنَّهُ يَصِيرُ وُضُوءُهُ غُسْلًا وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْعِلَّةُ الْأُولَى وَكُلٌّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ تَقْتَضِي ارْتِفَاعَ جَمِيعِ حَدَثِهِ وَلَا نَظَرَ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ تَقْدِيرِيٌّ فَلَا يُلَاحَظُ أَوْ أَنَّهُ صَيَّرَ وُضُوءَهُ غُسْلًا وَهُوَ لَا يَجِبُ فِيهِ تَرْتِيبٌ، فَاعْتِمَادُ بَعْضُهُمْ لِلثَّانِي وَتَأْوِيلُهُ لِكَلَامِ صَاحِبِ الْكَافِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ بِمَا يَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَجُنُبَيْنِ أَوْ مُحْدِثَيْنِ انْغَمَسَا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَتَقَدَّمَتْ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا.

وَمَشَى الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي وَلَمْ يُؤَوِّلْهُ بَلْ ارْتَضَى ظَاهِرَهُ وَمَا وَقَعَ لَهُ فِيهِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ فِي الْوُضُوءِ: (إنَّ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا رَاعَى التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ، مَحَلُّهُ إذَا كَثُرَ الْمَاءُ وَإِلَّا كَانَ بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ عَنْ وَجْهِهِ مُسْتَعْمِلًا لِكُلِّهِ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ غَيْرِهِ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَ وُقُوعِ الِانْغِمَاسِ مُرَتَّبًا عَلَى تَرْتِيبِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يَكْفِي عَنْ غَيْرِ الْوَجْهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ التَّرْتِيبِ حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذَا قَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّرَفَيْنِ، بَلْ كَلَامُ الْأَوَّلِ كَالصَّرِيحِ فِيهِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَقَعَ كَذَلِكَ بِأَنْ تُؤَخَّرَ النِّيَّةُ إلَى تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فَيَكْفِي، وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِإِمْكَانِ تَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ حِينَئِذٍ فَاعْتَمِدْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا خَالَفَهُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ تَنَجَّسَ الْفَمُ وَبَيْنَ الْأَسْنَانِ أَعْيَانٌ فَهَلْ تَجِبْ إزَالَتُهَا بِنَحْوِ تَخْلِيلٍ أَوْ يَكْفِي التَّمَضْمُضُ لِتَطْهِيرِ الْفَمِ؟ وَتِلْكَ الْأَعْيَانُ إذَا زَالَ بِهِ أَوْصَافَ النَّجَاسَةِ.

(فَأَجَابَ) : بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إزَالَةُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ فِيهَا بَلْ يَكْفِي إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ مِنْهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ وَلَا يَزِيدَ وَزْنُهُ، وَأَنْ يَزُولَ أَوْصَافُ النَّجَاسَةِ بِتَفْصِيلِهِ الْمَعْرُوفِ وَلَا يُقَالُ النَّجَاسَةُ تَسْرِي إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا لِأَنَّ الْمَاءَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ لَهُ قُوَّةُ سَرَيَانٍ أَكْثَرُ فَهُوَ يَصِلُ إلَى مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ الْأُولَى.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ تَنَجَّسَ شَعْرُ شَخْصٍ أَوْ جَسَدُهُ وَهُوَ مُدَّهِنٌ الِادِّهَانَ الْمَعْرُوفَ بِحَيْثُ لَوْ لَمَسَ لَظَهَرَ بِمُلَامَسَتِهِ أَثَرٌ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نَحْوِ سِدْرٍ أَوْ كَانَ أَثَرُهُ ضَعِيفًا كَمَاسِّ اللَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ يَعْلَقُ بِيَدِهِ أَثَرٌ فَهَلْ يَكْفِي إجْرَاءُ الْمَاءِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً أَوْ عَيْنِيَّةً وَزَالَتْ بَقِيَّةُ أَوْصَافِهَا دُونَ ذَلِكَ الْأَثَرِ؟ بَيِّنُوا لَنَا حَدَّ أَثَرِ الِادِّهَانِ الَّذِي يَطْهُرُ بِنَفْسِ جَرَيَانِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمَا يُعْفَى وَيُتَسَامَحُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ؛ فَالِادِّهَانُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَضَرُورِيٌّ خُصُوصًا فِي مَظَانِّ الْبِرِّ.

(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَكَلَ مَيْتَةً وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ دُسُومَتِهَا مِنْ أَسْنَانِهِ إلَّا بِالسِّوَاكِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِيَاكُ لِتَوَقُّفِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ مَتَى تَنَجَّسَ الشَّعْرُ أَوْ الْبَدَنُ وَعَلَيْهِ دُهْنٌ وَلَمْ يُمْكِنْ إزَالَةُ الدُّهْنِ إلَّا بِنَحْوِ سِدْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَنَجِّسًا، وَإِزَالَتُهُ الْوَاجِبَةُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَمَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ كَانَ وَاجِبًا وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِ الِادِّهَانِ قُرْبَةً؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي بَابِ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ عَلَى إزَالَتِهَا بِجَمِيعِ أَوْصَافِهَا إلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>