للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّوْنَ أَوْ الرِّيحَ إنْ عَسُرَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى كَوْنِهِ عَصَى بِسَبَبِ ذَلِكَ أَمْ لَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلِاضْطِرَارِ وَتَوَقَّفَتْ إزَالَةُ الدُّسُومَةِ عَلَى نَحْوِ السِّوَاكِ أَنَّهُ يَجِبُ. فَمَسْأَلَةُ الِادِّهَانِ كَذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَيْتَةٍ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ ثُمَّ زِيدَ عَلَيْهِ - وَهِيَ فِيهِ - مَاءٌ آخَرُ فَهَلْ يَبْقَى الْعَفْوُ؟

(أَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَسْأَلَةِ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ الْمَشْهُورَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا فِيهِ مَا يَضُرُّ فِي الْأَصْلِ لَكِنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى خُصُوصِ الْمَشَقَّةِ يَقُولُ فِيهَا بِالتَّأْثِيرِ إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي خُصُوصِ هَذِهِ وَكَذَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمَشَقَّةَ اقْتَضَتْ طَهُورِيَّةَ الْمَاءِ وَأَلْغَى هَذَا الْمَانِعَ يَقُولُ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ، ثُمَّ رَأَيْتنِي صَرَّحْت بِالْمَسْأَلَتَيْنِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَجَعَلْت صُورَةَ السُّؤَالِ شَاهِدًا لِمَا رَجَّحْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ مِنْ عَدَمِ التَّأْثِيرِ وَعِبَارَتُهُ: (وَلَوْ صُبَّ مُتَغَيِّرٌ بِخَلِيطٍ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ فَغَيَّرَهُ كَثِيرًا ضَرَّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا عَلَى مَا ارْتَضَاهُ جُمِعَ لِسُهُولَةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، لَكِنْ مَشَى آخَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ ذُبَابٌ فِي مَائِعٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ فَصُبَّ عَلَى مَائِعٍ آخَرَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِطَهَارَتِهِ الْمُسْتَثْنِيَةِ عَنْ مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ، فَكَذَلِكَ لَا يَضُرُّ هَذَا لِطَهُورِيَّتِهِ الْمُسْتَثْنِيَةِ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَتْ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَرْوَاثِ الْفِئْرَانِ هَلْ يُعْفَى عَنْهَا وَعَنْ آثَارِهَا لِشِدَّةِ الْبَلْوَى بِهَا كَذَرْقِ الطُّيُورِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ بِالْعَفْوِ عَنْهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا نَقَلْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِهَا لَمْ يَعُمَّ كَعُمُومِهِ بِذَرْقِ الطُّيُورِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، وَالْمُشَاهَدَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ إخْبَارِ الْقَصَّارِ الْكَافِرِ بِتَنَجُّسِ الثَّوْبِ عِنْدَهُ مَعَ بَيَانِ سَبَبِهِ وَبِغَسْلِهِ وَإِخْبَارِهِ عَنْ غَسْلِ الثَّوْبِ الَّذِي كَانَ مُتَنَجِّسًا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِشُرُوطِ التَّطْهِيرِ هَلْ يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ الْكَافِرُ كَالْفَاسِقِ فِي الْإِخْبَارِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: (أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إخْبَارُ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ بِنَجَاسَةٍ وَلَا بِطَهَارَةٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا بَلَغَ الْمُخْبَرَ مِنْ الْفَاسِقِ أَوْ الْكَافِرِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، بِأَنْ كَانُوا جَمْعًا يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَخْبَرُوا عَنْ عِيَانٍ فَيُقْبَلُ خَبَرُهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ ثُمَّ إنَّهُمْ إنْ وَافَقُوا الْمُخْبِرَ فِي مَذْهَبِهِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ بَيَانُ السَّبَبِ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا أَخْبَرَ الْكَافِرُ أَوْ الْفَاسِقُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَبَيْنَ السَّبَبِ كَقَوْلِهِ: بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ أَوْ طَهَّرْت الثَّوْبَ بِمَاءِ كَذَا حَتَّى زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ، فَيُقْبَلُ خَبَرُهُ هُنَا أَيْضًا فَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَتْ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ فَقَالَ ذِمِّيٌّ: أَنَا ذَبَحْتهَا حَلَّتْ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ انْتَهَى.

فَإِذَا قُبِلَ إخْبَارُ الْكَافِرِ عَنْ فِعْلِ الذَّكَاةِ قُبِلَ إخْبَارُهُ عَنْ فِعْلِهِ التَّنْجِيسَ أَوْ التَّطْهِيرَ مَعَ بَيَانِ سَبَبِهَا بِالْمُسَاوَاةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ يُحْتَاطُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَاطُ فِي ذَيْنِكَ وَقَدْ أَطْلَقَ السَّلَفُ إبَاحَةَ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا مُشَاهَدَتَنَا لِذَبْحِهَا، بَلْ عَوَّلُوا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ تَوْسِيعًا فِي الرُّجُوعِ إلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَمَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالْفَاسِقِ وَإِنْ شُوهِدَ سَبْقُ حَدَثِهِ وَلَمْ يُشَاهَدْ وُضُوءُهُ وَلَيْسَ مَلْحَظُهُ إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ تَوَضَّأَ قُبِلَ خَبَرُهُ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَقِيهُ عَصْرِهِ وَأُسْتَاذُ أَهْلِ مِصْرِهِ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ: كَانَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ إذَا تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ دَفَعَهُ لِفَتَاهُ وَأَمَرَهُ بِتَطْهِيرِهِ فَإِذَا أَتَاهُ بِهِ وَقَالَ طَهَّرْته لَبِسَهُ وَحَالُ الْفِتْيَانِ لَا يَخْفَى اهـ.

وَأَشَارَ الشَّرَفُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَتَى الَّذِي كَانَ الْوَلِيُّ يَدْفَعُ إلَيْهِ ثَوْبَهُ لِيُطَهِّرَهُ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْعَدَالَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ الشَّرَفُ وَحَالُ الْفِتْيَانِ لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ فَهَذَا مِنْ الْوَلِيِّ وَتِلْمِيذِهِ الشَّرَفِ اعْتِمَادٌ لِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ الَّذِي قَدَّمْته عَلَى إخْبَارِ الذِّمِّيِّ بِالذَّكَاةِ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ وَمِثْلُهُ الْكَافِرُ مَتَى قَالَ طَهَّرْته أَوْ نَجَّسْته وَبَيَّنَ السَّبَبَ أَوْ كَانَ الْفَاسِقُ مُوَافِقًا عَارِفًا بِالطَّهَارَةِ أَوْ النَّجَاسَةِ قُبِلَ خَبَرُهُ وَقَدْ أَفْتَى الْمُنَاوِيُّ بِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا إطْبَاقُهُمْ بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَ فَاسِقًا أَيْ عَنْ نَفْسِهِ، بِأَنْ كَانَ مَعْضُوبًا لِيَحُجَّ عَنْهُ صَحَّتْ إجَارَتُهُ وَقُبِلَ قَوْلُهُ حَجَجْت مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَهُ إلَى النِّيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا.

وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الدَّبِيلِيُّ لَوْ قَالَ لِلْأَجِيرِ جَامَعْتَ فِي إحْرَامِكَ فَأَفْسَدْتَهُ لَمْ تُسْمَعْ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>