للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدَّعْوَى فَلَا يَحْلِفُ الْأَجِيرُ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ تَأَخُّرَ إحْرَامِهِ عَنْ الْمِيقَاتِ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمِينٌ عَلَيْهَا. وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَوْ قَالَتْ تَزَوَّجْت بِرَجُلٍ وَطِئَنِي ثُمَّ طَلَّقَنِي وَاعْتَدَدْت قُبِلَ قَوْلُهَا بِلَا يَمِينٍ أَيْ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي تَصْدِيقِهَا فِي ذَلِكَ إنْكَارُ الزَّوْجِ الثَّانِي مَا نَسَبَتْهُ إلَيْهِ، ثُمَّ إنْ ظَنَّ الْأَوَّلُ صِدْقَهَا نَكَحَهَا بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ نُدِبَ لَهُ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا فَإِنْ صَرَّحَ بِكَذِبِهَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ تَزَوُّجُهَا حَتَّى يَقُولَ تَبَيَّنْتُ صِدْقَهَا.

وَقَوْلُ الْفُورَانِيِّ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ: (إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ) غَلَطٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى الْحِلِّ حَيْثُ أَمْكَنَ صِدْقُهَا وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَذِبُهَا، وَبِهِ يُصَرِّحُ نَصُّ الْأُمِّ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا كَوْنَ الْأَجِيرِ ثِقَةً فَاقْتَضَى ذَلِكَ قَبُولُ قَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَا لِلْغَيْرِ وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي مُدَّعِيَةِ التَّحْلِيلِ.

وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عِنْدَ قَوْلِ الرَّوْضَةِ: (يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ أَمِينًا) كَذَا عِبَارَةُ جَمَاعَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَكَثِيرُونَ ثُمَّ قَالَ وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ تُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَمْ يَعُدُّوا هَذِهِ مِنْهَا اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا عَلَى اسْتِثْنَائِهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ إخْبَارِ الذِّمِّيِّ بِالذَّكَاةِ، وَفِي التَّوَسُّطِ أَيْضًا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الِازْدِحَامِ عَلَى الْغُسْلِ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الصِّبَا وَالْفِسْقَ لَا يُؤَثِّرَانِ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا.

وَقَدْ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْفَاسِقِ وَلَا لِغَيْرِ الْبَالِغِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ مَمْنُوعٌ وَأَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ وَإِنْ سَلِمَ لَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي تَزَاحُمِ ذَوِي حُقُوقٍ فَلَا يُقَدَّمُ مِنْهُمْ عَلَى الْبَاقِينَ إلَّا كَامِلٌ، وَالصَّبِيُّ وَالْفَاسِقُ لَيْسَا كَذَلِكَ فَعَدَمُ تَقْدِيمِ الْفَاسِقِ هُنَا؛ إنَّمَا هُوَ لِمَا ذَكَرْتُهُ فَلَا يَقْتَضِي بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَدَمَ قَبُولِ قَوْلِهِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ.

فَإِنْ قُلْت اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِيهَا لِلْأَحَادِيثِ أَنَّهُ قَبِلَ هَدَايَا الْكُفَّارِ أَيْ الْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ عَلَى أَيْدِيهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ هَذَا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِبَاحَةِ، وَالْإِذْنُ فِي الدُّخُولِ وَالْإِرْسَالِ، وَهُمَا فِعْلُ غَيْرِهِ فَإِذَا قَبِلُوا قَوْلَ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ هُنَا مُطْلَقًا فَلِمَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا قُلْت فِي هَذَا تَأْيِيدٌ ظَاهِرٌ لِمَا قَدَّمْته مِنْ قَبُولِ خَبَرِهِمَا عَنْ فِعْلِهِمَا وَإِنَّمَا لَمْ نَأْخُذْ بِقَضِيَّةِ هَذَا مِنْ قَبُولِ خَبَرِهِمَا مُطْلَقًا لِأَنَّ السَّلَفَ وَالْخَلْفَ اكْتَفَوْا بِهِمَا فِيمَا ذُكِرَ دُونَ غَيْرِهِ لِعُمُومِ إضْرَارِ النَّاسِ إلَى إنَابَتِهِمَا فِي نَحْوِ الْإِذْنِ وَالْإِرْسَالِ؛ لِأَنَّا لَوْ كُلِّفْنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَعَاطَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَا يَسْتَنِيبُ فِيهِ إلَّا ثِقَةً لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ مَشَقَّةً عَظِيمَةً؛ فَاقْتَضَتْ

الضَّرُورَةُ

الْمُسَامَحَةَ فِي قَبُولِهِمَا فِي ذَلِكَ فَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَا مَشَقَّةَ فِيهِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ.

وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَازَ لِلْمَشَقَّةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ فَقَالَ لَوْ أَذِنَ فِي الدُّخُولِ أَوْ فِي حَمْلِ الْهَدِيَّةِ فَاسِقٌ فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ شَرْعًا وَجَرَاءَتُهُ أَبْعَدُ مِنْ جَرَاءَةِ الصِّبْيَانِ أَيْ الْمُكْتَفَى بِإِخْبَارِهِمْ فِي ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُجَرَّبْ عَلَيْهِمْ كَذِبٌ، وَلَا وَقْفَةَ عِنْدِي فِي الْمَسْتُورِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَاسْتُثْنِيَ ذَلِكَ لِمَا عَلَى الْمَالِكِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ إذَا ضَاقَتْ اتَّسَعَتْ اهـ.

وَأَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ ابْنَ أُمِّ أُرَيْقِطٍ اللَّيْثِيَّ وَهُوَ مُشْرِكٌ دَلِيلًا حِينَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ» فَعُلِمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (وَاسْتُثْنِيَ ذَلِكَ. .. إلَخْ) قَبُولُ قَوْلِ الْكَافِرِ أَوْ الْفَاسِقِ فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا أَخْبَرَا عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِمَا بِالْأَوْلَى لَا سِيَّمَا فِي التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ تَعَاطِيَهُ بِالنَّفْسِ لَوْ وَجَبَ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ مَشَقَّةً عَظِيمَةً فَاقْتَضَى التَّوْسِيعُ الْمُتَلَقَّى مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ قَبُولَ قَوْلِهِ: طَهَّرْته إذَا وَافَقَ مَذْهَبَ الْمُخْبِرِ أَوْ بَيَّنَ السَّبَبَ، وَأَمَّا إفْتَاءُ بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِمَا مُطْلَقًا فِي التَّطْهِيرِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَا بِالتَّنْجِيسِ أَوْ بِأَنَّ الْكَعْبَةَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ؛ لِمَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِمَّا يُصَرَّحُ بِخِلَافِهِ، وَقِيَاسُهُ عَنْ التَّنْجِيسِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ الَّذِي فِي التَّطْهِيرِ فَهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْكَافِرِ أَوْ الْفَاسِقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>