للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ لِقِلَّتِهِ، أَوْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي لَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهِ أَمْرُ الشَّرْعِ، أَوْ لَا؟ وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا، فَأَيُّ مَعْنًى لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ» عَنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ الَّتِي هِيَ آكَدُ الْأُمُورِ فِي الْقُدْوَةِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا» فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِاحْتِمَالِ الِانْكِشَافِ، فَهَلْ يُمْنَعُ عَنْ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَمْ لَا؟ .

وَهَلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْمُصَلِّي سَتْرُ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ فِي الْأَعْلَى فَهَلْ يَجِبُ سَتْرُ الْمَوْضِعِ الْمُنْخَفِضِ عِنْدَ فَقَارِ الظَّهْرِ؛ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَهُ انْخِفَاضٌ كَثِيرٌ هُنَاكَ، وَإِذَا اتَّزَرَ هَذَا لَمْ يُلْصِقْ ثَوْبَهُ إلَى فَقَارِ الظَّهْرِ وَيَكُونُ هُنَاكَ فُرْجَةٌ فَهَلْ يَجِبُ سَتْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ - إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَمِيصٌ - أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِانْكِشَافِ عَوْرَاتِهِمْ بَلْ بِخَشْيَةِ انْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْهَا وَأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ لَا يَضُرُّ، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِذَلِكَ؛ فَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَنْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ فَسَتَرَهَا فَوْرًا - بِأَنْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ مَحْسُوسٌ عُرْفًا - لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ الِانْكِشَافُ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ.

وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ رُؤْيَةَ الْعَوْرَةِ مِنْ الْأَسْفَلِ لَا تَضُرُّ؛ حَتَّى قَالُوا: لَوْ وَقَفَ عَلَى سَطْحٍ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ مِنْ تَحْتِهِ وَيَنْظُرُونَ إلَى عَوْرَتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَخَالَفَهُمْ الْإِمَامُ فَاخْتَارَ بُطْلَانَهَا.

قَالَ: لِأَنَّهُ مُنْهَتِكٌ لَا مُسْتَتِرٌ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ انْكِشَافُ شَيْءٍ مِنْ عَوْرَاتِهِمْ فِي سُجُودِهِمْ - كَانَ غَيْرَ ضَارٍّ؛ إمَّا لِأَنَّهُ انْكَشَفَ وَرَدُّوهُ فَوْرًا؛ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ انْكِشَافًا مِنْ الْأَسْفَلِ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا؛ وَحِينَئِذٍ فَمِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ بِوَجْهٍ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يُغْتَفَرُ ظُهُورُ رُبْعِ الْعَوْرَةِ أَوْ نِصْفِهَا أَوْ دُونَ دِرْهَمٍ مِنْ السَّوْأَتَيْنِ، وَعَلَى مُدَّعِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْآرَاءِ الثَّلَاثَةِ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُ سَتْرِ جَمِيعِهَا، فَدَعْوَى اغْتِفَارِ ظُهُورِ بَعْضِهَا تَخْصِيصٌ، وَهُوَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ.

وَمَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ مِنْ أَنَّ حِكْمَةَ نَهْيِهِنَّ عَنْ الْمُبَادَرَةِ بِالرَّفْعِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَلْمَحْنَ شَيْئًا مِنْ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ عِنْدَ الرَّفْعِ - صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ، وَوُقُوعُ نَظَرِهِنَّ عَلَى بَعْضِ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ - بِفَرْضِ وُقُوعِهِ - مِنْ بَابِ الْمَفَاسِدِ وَأَيِّ الْمَفَاسِدِ وَقَدْ قَرَّرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، فَطُلِبَ مِنْهُنَّ عَدَمُ الْمُبَادَرَةِ بِالرَّفْعِ؛ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ فَاتَ بِهِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ؛ تَقْدِيمًا لِمَا هُوَ أَخْطَرُ وَأَعْظَمُ.

عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَمْنَعَ أَنَّ أَمْرَهُنَّ بِالْمُكْثِ إلَى ارْتِفَاعِ الرِّجَالِ يُفَوِّتُ الْمُتَابَعَةَ؛ إذْ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهَا لَا تَفُوتُ إلَّا بِالتَّقَدُّمِ بِرُكْنٍ أَوْ بِالتَّخَلُّفِ بِهِ أَوْ بِمَا تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ؛ كَمَا بَسَطُوهُ فِي مَبْحَثِهَا. وَلَيْسَ فِي تَأَخُّرِهِمْ أَدْنَى زَمَنٍ إلَى رَفْعِ الرِّجَالِ تَفْوِيتُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ وَلَا كَمَالُ الْمُتَابَعَةِ، بَلْ كَمَالُهَا حَاصِلٌ لَهُنَّ - وَإِنْ تَأَخَّرْنَ كَمَا أُمِرْنَ - لِأَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْ الْإِمَامِ بِعُذْرٍ لَا يَمْنَعُ كَمَالَ الْمُتَابَعَةِ، وَهَذَا تَخَلُّفٌ بِعُذْرٍ؛ وَهُوَ امْتِثَالُ النَّهْيِ عَنْ الْمُبَادَرَةِ بِالرَّفْعِ.

عَلَى أَنَّ هَذَا تَأَخُّرٌ يَسِيرٌ جِدًّا، وَهُوَ مُغْتَفَرٌ لَوْ فُرِضَ أَنْ لَا عُذْرَ فَكَيْفَ مَعَ الْعُذْرِ؟ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُقَدَّمُ الْمَوْهُومُ مِنْ خَشْيَةِ النَّظَرِ عَلَى الْمُحَقَّقِ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ؟ قُلْت: بِمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ حُصُولِ الْمُتَابَعَةِ مَعَ ذَلِكَ التَّأَخُّرِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ هُنَا مَوْهُومٌ عَلَى مُحَقَّقٍ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْمَوْهُومُ - بِفَرْضِ وُقُوعِهِ - قَدْ تَعْظُمُ مَفْسَدَتُهُ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُحَقَّقِ الَّذِي لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ.

وَقَوْلُ السَّائِلِ - زَادَ تَوْفِيقُهُ وَالنَّفْعُ بِهِ - فَهَلْ يَجِبُ سَتْرُ الْمَوْضِعِ الْمُنْخَفِضِ. . . إلَخْ - جَوَابُهُ: نَعَمْ، يَجِبُ عَلَيْهِ مَتَى كَانَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَى مِنْهُ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ الْأَعْلَى بِسَائِرِ جِهَاتِهِ، وَمِنْ الْجَوَانِبِ بِسَائِرِ جِهَاتِهَا؛ فَحَيْثُ كَانَتْ تُرَى مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ لِأَحَدِ الْجَوَانِبِ وَجَبَ سَتْرُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ ثَوْبٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يُعْلَمُ مَحَلُّهَا، فَوَضَعَ الْمُصَلِّي يَدَهُ عَلَيْهِ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ كَالْبِسَاطِ، أَمْ لَا؛ كَالْيَدِ الرَّطْبَةِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ، وَفَارَقَ عَدَمُ تَنَجُّسِ مُمَاسِّ الرَّطْبِ لِبَعْضِهِ بِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى ظَنِّ الطَّهَارَةِ، وَبِمَسِّ ذَلِكَ الْبَعْضِ زَالَ ذَلِكَ الظَّنُّ، وَفِي النَّجَاسَةِ عَلَى تَيَقُّنِ مُمَاسَّتِهَا وَلَمْ يُوجَدْ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ احْتَجَمَ وَوَصَلَ مَحَلَّ الْحَجْمِ مَاءٌ أَوْ دُهْنٌ بِسَبَبِ الْحَجْمِ، هَلْ يُعْفَى عَنْهُ لِلْحَاجَةِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>