للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ مَأْمُومٍ يَتَشَهَّدُ مَعَ الْإِمَامِ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ؛ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا هَلْ يَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ مِنْ حِينِ حَدَثَ الشَّكُّ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ - كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ -؟ أَوْ يَتَشَهَّدُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَوْ يَقُومُ وَيُتِمُّ قَائِمًا بِلَا مُفَارَقَةٍ فَرُبَّمَا يَتَذَكَّرُ الْإِمَامُ أَنَّهُ سَهَا، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا مَحَلٌّ لِلتَّشَهُّدِ؛ كَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ حَنَفِيٍّ فَسَجَدَ لِ (ص) لَا يَسْجُدُ مَعَهُ بَلْ يُتِمُّ قَائِمًا فَهَلْ مَسْأَلَتُنَا كَذَلِكَ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ؛ فَإِنَّهُ حَكَى فِي صُورَةِ السُّؤَالِ عَنْ الرُّويَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَبِّحُ لِإِمَامِهِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ كَالْيَقِينِ بِدَلِيلِ اسْتِوَائِهِمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَوْ لَا؟ وَالثَّانِي لَا يُسَبِّحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا، وَهُوَ لَا يَتَيَقَّنُ خَطَأَهُ فَلَا يُشَكِّكْهُ. وَلَوْ فَارَقَهُ حَالًا عَلَى الثَّانِي بَعْدَ مَا سَبَّحَ، وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ شَكَّ خَلْفَ الْإِمَامِ لِلزِّيَادَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ اهـ مُلَخَّصًا فَأَفْهَمَ التَّرَدُّدَ فِي التَّسْبِيحِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَهُ وَلَوْ فَارَقَهُ. . . إلَخْ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ لَا تَجِبُ، وَإِلَّا لَمَا سَاغَ ذَلِكَ التَّرَدُّدُ الثَّانِي؛ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسَبِّحُ لَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مُصَرِّحٌ بِمَا ذَكَرْته، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: لَوْ قَامَ الْإِمَامُ لِخَامِسَةٍ نَاسِيًا لَمْ يَلْزَمْ الْمَأْمُومَ مُفَارَقَتُهُ بَلْ لَهُ انْتِظَارُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: يَلْزَمُهُ مُفَارَقَتُهُ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْجَنَائِزِ - ضَعِيفٌ وَإِنْ تَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ فِي انْتِظَارِهِ مُقِيمٌ عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ مُخْطِئًا فِيهِ؛ فَفِي الْمَجْمُوعِ: لَوْ سَجَدَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ لِ (ص) جَازَ لَهُ مُفَارَقَتُهُ وَانْتِظَارُهُ، كَمَا لَوْ قَامَ إمَامُهُ إلَى خَامِسَةٍ.

وَفِيهِ أَيْضًا: لَوْ عَلِمَ قِيَامَ إمَامِهِ لِخَامِسَةٍ انْتَظَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لَهُ فَهَذَانِ صَرِيحَانِ فِي ضَعْفِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْجَنَائِزِ، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِضَعْفِهِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: لَوْ عَادَ إمَامُهُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ جَازَ لِلْمَأْمُومِ انْتِظَارُهُ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ تَأْيِيدٌ لِمَا قُلْنَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِالْأَوْلَى؛ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهَا قَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ فِعْلُ السَّهْوِ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ؛ كَسُجُودِ الْحَنَفِيِّ لِ (ص) ، وَلِكَوْنِ جِنْسِ السُّجُودِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُغْتَفَرًا فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُنْظَرْ هُنَا لِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ؛ نَظِيرُ مَا لَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ فَقَصَّرَ فِيمَا لَمْ يُجَوِّزْهُ الشَّافِعِيُّ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ الْمُفَارَقَةُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ تَحَقُّقِ الْمَأْمُومِ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَجِبَ فِي صُورَتِنَا، فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ الْمُسَاوَاةَ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي يُنْتَظَرُ فِيهِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ مَحْسُوبٌ لَهُ فَلَمْ يُحْدِثْ مَا يُنَافِي صِحَّةَ صَلَاتِهِ؛ لِاسْتِمْرَارِهِ فِي الْقِيَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيِّ وَفِي الْجُلُوسِ فِي غَيْرِهَا، وَهُمَا مَحْسُوبَانِ لَهُ؛ فَهُوَ مُنْتَظِرٌ لِلْإِمَامِ لَا مُتَابِعٌ لَهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ؛ بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: يَنْتَظِرُهُ فِي صُورَةِ الْجُلُوسِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ فِي ظَنِّهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مُتَابِعًا لَهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ لَا مُنْتَظِرًا لَهُ، وَمُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ. قُلْت: لَنَا فِي الِانْفِصَالِ عَنْ ذَلِكَ مَسْلَكَانِ؛ أَحَدُهُمَا أَنَّا نَقُولُ لَا يَنْتَظِرُهُ جَالِسًا بَلْ يَقُومُ وُجُوبًا ثُمَّ يَنْتَظِرُهُ فِي الْقِيَامِ إنْ شَاءَ.

وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَاهُ بِالْقِيَامِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى انْتِظَارِهِ فِي الْجُلُوسِ مَا ذُكِرَ، وَمِنْ تَطْوِيلِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي ظَنِّهَا، وَتَطْوِيلُهَا مُبْطِلٌ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ؛ وَالثَّانِي أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا: يَنْتَظِرُهُ جَالِسًا؛ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ؛ فَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُ الْكِفَايَةِ: (وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَا يُتَابِعُهُ فِيهِ) - صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَابَعَةِ الْحِسِّيَّةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ؛ وَهِيَ دَوَامُ الْقُدْوَةِ بَلْ لَهُ انْتِظَارُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَنْظُومِ وَيُتَابِعَهُ فِيهِ بِأَنَّ الْقُدْوَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِفِعْلِ السَّهْوِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ مُفَارَقَتُهُ، وَلَهُ انْتِظَارُهُ؛ إلَّا إنْ أَدَّى إلَى تَطْوِيلِ رُكْنٍ قَصِيرٍ اهـ.

وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِإِيجَابِهِمْ الْمُفَارَقَةَ عَلَى مَنْ اقْتَدَى فِي الْمَغْرِبِ بِمُصَلِّي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ ثَمَّ أَنَّهُ يُحْدِثُ تَشَهُّدًا أَوْ جُلُوسًا لَمْ يُشْرَعْ لِلْإِمَامِ بِخِلَافِهِ هُنَا، فَإِنْ قُلْتَ مَا الَّذِي يَتَّجِهُ؛ هَلْ هُوَ وُجُوبُ الْقِيَامِ عَلَيْهِ إذَا أَرَادَ الِانْتِظَارَ، أَوْ جَوَازُهُ جَالِسًا؟ قُلْتُ: الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِظَارُ جَالِسًا بَلْ يَلْزَمُهُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ الْمَذْكُورِ الْقِيَامُ فَوْرًا ثُمَّ إنْ شَاءَ فَارَقَ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ بِحَسَبِ ظَنِّهِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ أَتَمَّ بِحَسَبِ ظَنِّهِ.

وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>