للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلْزَمْنَاهُ بِالْقِيَامِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى انْتِظَارِهِ فِي الْجُلُوسِ أَنَّهُ مُتَابِعٌ لَا مُنْتَظِرٌ، وَلَا يُنَافِيه مَا قَدَّمْته عَنْ الزَّرْكَشِيّ؛ لِأَنَّ انْتِظَارَهُ فِي الْجُلُوسِ مُتَابَعَةٌ حِسِّيَّةٌ لَا حُكْمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَابَعَهُ فِيمَا لَا يُحْسَبُ لَهُ بِخِلَافِ انْتِظَارِهِ لَهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ الْجُلُوسِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهَا مَحْضُ مُتَابَعَةٍ حُكْمِيَّةٍ؛ لِتَبَايُنِهِمَا حِسًّا، وَكَذَا انْتِظَارُهُ فِي الْقِيَامِ فِي صُورَتِنَا فَإِنَّهُ مَحْضُ مُتَابَعَةٍ حُكْمِيَّةٍ؛ عَلَى أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ انْتِظَارَهُ فِي الْجُلُوسِ مُتَابَعَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَقَطْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ وَهُوَ أَنَّ الزَّرْكَشِيّ قَيَّدَ جَوَازَ الْمُتَابَعَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ تُؤَدِّ إلَى تَطْوِيلِ رُكْنٍ قَصِيرٍ، وَهِيَ هُنَا تُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَتَطْوِيلُهَا كَتَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ فِي الْبُطْلَانِ كَمَا مَرَّ؛ فَإِنْ قُلْت: تَطْوِيلُهَا هُنَا لِلْمُتَابَعَةِ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ.

قُلْت: هِيَ مُتَابَعَةٌ فِي فِعْلِ السَّهْوِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ امْتِنَاعُهَا، وَيُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْته مِنْ امْتِنَاعِهَا فِي التَّشَهُّدِ - قَوْلُ الْمَجْمُوعِ السَّابِقُ انْتَظَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لَهُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي امْتِنَاعِهِ فِي صُورَتِنَا فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْته. وَيُؤَيِّدُ وُجُوبَ الْقِيَامِ الَّذِي قُلْنَاهُ قَوْلُهُمْ: لَوْ انْتَصَبَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ بِلَا تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقِيَامُ، وَإِنْ عَادَ الْإِمَامُ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ أَوْ قَامَ وَعَادَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَكِنْ مَتَى عَلِمَ أَوْ تَذَكَّرَ لَزِمَهُ الْقِيَامُ فَوْرًا، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْإِمَامُ فَمَنْعُهُمْ لَهُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ فِي الْجُلُوسِ صَرِيحٌ فِي مَنْعِهِ مِنْهَا فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا مِمَّا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ شَخْصٍ خُوطِبَ بِسُنَّةٍ فَلَزِمَتْهُ فَرِيضَةٌ مَا صُورَتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صُورَتُهُ مَا إذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ نَاسِيًا لَهُ فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لَهُ الْعَوْدُ إلَى الصَّلَاةِ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ لِأَجْلِ السُّجُودِ، وَبِعَوْدِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ نَحْوِ الْفَاتِحَةِ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ، فَهَذَا خُوطِبَ بِسُنَّةٍ، وَهِيَ سُجُودُ السَّهْوِ فَلَزِمَتْهُ فَرِيضَةٌ؛ وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِرَكْعَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَعُدْ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ السَّلَامِ الَّذِي لَا يُشْرَعُ بَعْدَهُ عَوْدٌ إلَى الصَّلَاةِ فِي تَرْكِ غَيْرِ النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَطْرَأَ الشَّكُّ قَبْلَ عَوْدِهِ إلَى السُّجُودِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّا بِالْعَوْدِ نَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا تَقَرَّرَ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا عَنْ شَخْصٍ صَلَّى الظُّهْرَ بِثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَثَمَانِ قِيَامَاتٍ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، فَمَا صُورَتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عَامِدًا سُنَّ لَهُ الْعَوْدُ وَإِلَّا جَازَ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِذَا رَجَعَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ صَدَقَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَفِي السُّجُودِ يُسَنُّ لَهُ الْعَوْدُ أَيْضًا أَوْ يَجُوزُ. وَعَلَيْهِ فَيُزَادُ عَلَى مَا ذُكِرَ فَيُقَالُ بِثَمَانِ رُكُوعَاتٍ وَثَمَانِ سَجَدَاتٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ ثُمَّ الرُّكُوعُ ثُمَّ الْعَوْدُ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ غَيْرِهِ جَوَازُهُ مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً مَا لَمْ تَتَوَالَ أَفْعَالُهُ، وَعَلَيْهِ فَيُقَالُ بَدَلُ ثَمَانِ رُكُوعَاتٍ سِتَّةَ عَشَرَ رُكُوعًا أَوْ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سُجُودًا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا عَادَ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ فَارَقَ إمَامَهُ فَهَلْ يُحْسَبُ لَهُ ذَلِكَ الرُّكُوعُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ رُكُوعٍ ثَانٍ فِيهِ نَظَرٌ؟ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى الْإِمَامِ فِيهِ إبْطَالٌ لِذَلِكَ الرُّكُوعِ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ - عَنْ إمَامٍ سَجَدَ إحْدَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِيهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَهَلْ يَسْجُدُ الْمَسْبُوقُ الثَّانِيَةَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ - هَلْ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَوْرًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَجِبُ ذَلِكَ؛ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ وَلَمْ يَسْجُدْ الْمَأْمُومُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَأْتِ بِشَرَائِطِ السُّجُودِ، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ طَرَأَ لَهُ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالشَّرَائِطِ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِصُورَةِ السَّجْدَةِ فَعَادَ فَوْرًا إلَى الْقُعُودِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَجَدَ قَاصِدًا عَدَمَ الْإِتْيَانِ بِهَا أَوْ طَرَأَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِصُورَةِ السُّجُودِ وَاسْتَمَرَّ فِيهِ وَطَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. هَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَ الصِّحَّةَ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ قَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>