كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَنَامُوا، وَبِهِ يَتَّجِهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَهُوَ وَقْتُ الْوِتْرِ الْمُخْتَارُ، وَهُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ كَالْعِشَاءِ، وَمَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يُرِدْ التَّهَجُّدَ أَمَّا مَنْ يُرِيدُهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ النَّوْمِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ التَّرَاوِيحَ أَوْ الْوِتْرَ قَبْلَ النَّوْمِ امْتَدَّ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ فِي حَقِّهِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَمَنْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا بَعْدَهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوِتْرِ آخِرَ اللَّيْلِ، وَفِي التَّرَاوِيحِ قَبْلَ ذَلِكَ.
وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْحَلِيمِيِّ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا بَنَى كَلَامَهُ عَلَى مَا حَكَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنَامُونَ الرُّبْعَ الْأَوَّلَ وَيَقُومُونَ رُبْعَيْنِ بَعْدَهُ وَأَنَّ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ النَّوْمِ فَبِهَذَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ أَلْحَقُوا التَّرَاوِيحَ بِالْعِشَاءِ فِي الْوَقْتِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيمَهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا خَالَفَهُمْ الْحَلِيمِيُّ لِظَنِّهِ صِحَّةَ مَا حَكَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ مِمَّا ذُكِرَ وَقَدْ بَانَ عَدَمُ صِحَّتِهِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَلَوْ تَعَارَضَ فِعْلُهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ، وَفِعْلُهَا أَثْنَاءَهُ بَعْدَ النَّوْمِ بِلَا جَمَاعَةٍ فَالْأَفْضَلُ رِعَايَةُ الْجَمَاعَةِ إنْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى آدَابِهَا وَمُعْتَبَرَاتِهَا لَا كَمَا اُعْتِيدَ مِنْ تَعَدُّدِ الْجَمَاعَاتِ الْمُقْتَرِنَةِ بِقَبَائِحَ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ. بَلْ وَالْمُفْسِدَاتِ فَهَذِهِ الْجَمَاعَةُ وَالصَّلَاةُ الَّتِي مَعَهَا لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ الْكَمَالِ فَيَنْبَغِي لِلْمُوَفَّقِ أَنْ يَتَنَبَّهَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يَضِيعَ عَمَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا وَفَّقَنَا اللَّهُ لِمَرْضَاتِهِ آمِينَ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ هَلْ هِيَ مِنْ الضُّحَى أَوْ لَا وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَلِمَ لَمْ يَذْكُرْهَا مَنْ بَعْدَ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ كَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجَعَلُوهَا مِنْ الضُّحَى أَمْ كَيْفَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ، وَكَيْفَ يَنْوِي بِهَا، وَإِذَا مَضَى وَقْتُهَا فَهَلْ يُصَلِّيهَا أَوْ لَا، وَكَيْفَ يَنْوِي بِهَا حِينَئِذٍ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الضُّحَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحُجَّةُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَرَكْعَتَا الْإِشْرَاقِ غَيْرُ الضُّحَى وَوَقْتُهَا عِنْدَ الِارْتِفَاعِ لِلشَّمْسِ كَرُمْحٍ قَالَ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} [ص: ١٨] أَيْ يُصَلِّينَ اهـ وَفِي جَعْلِهِ لَهَا غَيْرَ الضُّحَى نَظَرٌ فَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهَا هِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَهِيَ صَلَاةُ الضُّحَى وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخَبَرِ «لَا يُحَافِظُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى إلَّا أَوَّابٌ» وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَحِينَئِذٍ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ إذَا لَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَعَلَهَا مِنْ صَلَاةِ الضُّحَى وَهُوَ مُتَّجِهٌ لِمَا عَلِمْت انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْغَزَالِيَّ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا غَيْرُ الضُّحَى، وَغَيْرُهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا مِنْ الضُّحَى، وَأَنَّ هَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّ مُغَايَرَتَهَا لِلضُّحَى لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ، وَمَبْنَى الصَّلَوَاتِ عَلَى التَّوْقِيفِ مَا أَمْكَنَ وَكَأَنَّ هَذَا الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ مِمَّا يُضَعِّفُ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ هُوَ السِّرُّ فِي حَذْفِ أَكْثَرِ مَنْ بَعْدَهُ لَهُ وَعَدَمِ تَعْوِيلِهِمْ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْحُجَّةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهَا صَلَاةُ الضُّحَى فَعَلَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ يَنْوِي بِهَا سُنَّةَ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ وَإِنْ قَضَاهَا لَيْلًا مَثَلًا كَمَا يَنْوِي بِصَلَاةِ الضُّحَى سُنَّةَ صَلَاةِ الضُّحَى، وَإِنْ قَضَاهَا لَيْلًا أَيْضًا وَعَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُ الْغَزَالِيِّ يَنْوِي بِهَا سُنَّةَ صَلَاةِ الضُّحَى وَلَا يَزِيدُ بِهَا الضُّحَى عَلَى الثَّمَانِ بَلْ يَكُونُ مِنْ جُمْلَتِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّمَانِ أَكْثَرُهَا، وَعَلَى أَنَّ أَكْثَرَهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ هِيَ أَعْنِي صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الثِّنْتَيْ عَشْرَةَ وَسَوَاءٌ جَعَلْنَاهَا هِيَ أَوْ غَيْرُهَا يُسَنُّ قَضَاؤُهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَيَنْوِي بِهَا مَا مَرَّ مِنْ سُنَّةِ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ عَلَى مَقَالَةِ الْغَزَالِيِّ أَوْ سُنَّةِ صَلَاةِ الضُّحَى عَلَى مَقَالَةِ غَيْرِهِ الَّتِي هِيَ أَوْجَهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا كَانَ عَلَى شَخْصٍ فَائِتَةٌ وَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَهَا مَعَ رَاتِبَتِهَا فَهَلْ يُقَدِّمُ الرَّاتِبَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الْفَرْضِ أَوْ يُؤَخِّرُهَا عَنْهُ أَوْ لَا يَقْضِي الرَّوَاتِبَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْفَرَائِضِ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ كَثِيرَةٌ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوَافِلَ مَعَ قَضَاءِ تِلْكَ الْفَوَائِتِ أَمْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الرَّوَاتِبِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ أَوْ لَا وَبَيْنَ رَوَاتِبِ الْفَائِتَةِ وَالْحَاضِرَةِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي رَجَّحْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُ الْبَعْدِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute