الصَّلَاةُ أَوَّلَ الدُّعَاءِ وَأَوْسَطَهُ وَآخِرَهُ وَهَذَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ شَيْئًا فَلْيَبْدَأْ بِمَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَسْأَلُ بَعْدُ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُنَجَّحَ أَوْ يُصِيبَ» وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الدُّعَاءُ كُلُّهُ مَحْجُوبٌ حَتَّى يَكُونَ أَوَّلُهُ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصَلَاةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو فَيُسْتَجَابُ لِدُعَائِهِ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ وَالتَّيْمِيُّ وَأَبُو الْيُمْنِ بْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ بَشْكُوَالَ وَغَيْرُهُمْ وَفِي سَنَدِهِ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ دُعَاءٍ إلَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ حِجَابٌ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ انْخَرَقَ ذَلِكَ الْحِجَابُ وَدَخَلَ الدُّعَاءُ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ رَجَعَ الدُّعَاءُ» .
وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي جَامِعِهِ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَالتَّيْمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالضِّيَاءُ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالدَّيْلَمِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ قِيلَ: وَمَا قَدَحُ الرَّاكِبِ قَالَ: إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ صَبَّ فِي قَدَحِهِ مَاءً فَإِنْ كَانَ لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ تَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَهُ، وَإِلَّا أَهْرَاقَهُ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ» وَالْقَدَحُ بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ كَالْهَرَوِيِّ أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُؤَخِّرُونِي فِي الذِّكْرِ وَالرَّاكِبُ يُعَلِّقُ قَدَحَهُ فِي آخِرِ رَحْلِهِ وَيَجْعَلُهُ خَلْفَهُ وَالْهَاءُ فِي أَهْرَاقَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ هَرَاقَ مُبْدَلَةٌ مِنْ هَمْزَةِ أَرَاقَ يُقَالُ أَرَاقَ الْمَاءَ يُرِيقُهُ وَأَهْرَاقَهُ يُهَرِيقهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ هِرَاقَةً وَيُقَالُ فِيهِ أَهَرَقْت الْمَاءَ أُهْرِيقُهُ إهْرَاقًا فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا مَرَّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَلْقَ أَخَاهُ وَيُصَافِحُهُ إلَّا حِينَئِذٍ خَبَرُ «مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ» .
وَفِي رِوَايَةٍ «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ وَيُصَلِّيَانِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمَا ذُنُوبُهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا، وَمَا تَأَخَّرَ» أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ لَهُ وَابْنُ بَشْكُوَالَ وَغَيْرُهُمْ
وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّهِ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ «مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِسًا ثُمَّ قَامُوا مِنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ تِرَةً» أَيْ بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَرَاءٍ مُخَفَّفَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ تَاءٍ - حَسْرَةً وَنَدَامَةً كَمَا فِي رِوَايَةٍ «إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ الثَّوَابِ» .
وَفِي أُخْرَى إلَّا قَامُوا عَنْ أَنْتَنِ جِيفَةٍ وَرِجَالُهَا رِجَالُ الصَّحِيحِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الْحَلِيمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَنْ تُصَلَّى بَعْدَ رُبْعِ اللَّيْلِ قَالَ: وَأَمَّا إقَامَتُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ الْعِشَاءِ فَمِنْ بِدَعِ الْكُسَالَى وَالْمُتْرَفِينَ وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَامِ الْمَسْنُونِ فِي شَيْءٍ إنَّمَا الْقِيَامُ الْمَسْنُونُ مَا كَانَ فِي وَقْتِ النَّوْمِ فَمَنْ قَامَ لَا فِي وَقْتِ النَّوْمِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْمُتَطَوِّعِينَ اهـ فَمَا ذَكَرَهُ هَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ غَيْرِهِ أَوْ لَا وَهَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا وَعَلَى قَوْلِهِ فَهَلْ الْأَوْلَى لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْجَمَاعَةَ إلَّا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ التَّعْجِيلُ لِتَحْصِيلِ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ أَوْ التَّأْخِيرُ لِيَكُونَ آتِيًا بِالْقِيَامِ الْمَسْنُونِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتُهُ أَمَّا وَقْتُ التَّرَاوِيحِ الْمُخْتَارُ فَقَالَ الْحَلِيمِيُّ يَدْخُلُ بِمُضِيِّ رُبْعِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمْ أَيْ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانُوا يَنَامُونَهُ وَيَقُومُونَ رُبْعَيْنِ وَيَنْصَرِفُونَ فِي الرَّابِعِ لِسُحُورِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ قَالَ وَأَمَّا فِعْلُهَا عَقِبَ الْعِشَاءِ فَمِنْ بِدَعِ الْكُسَالَى وَالْمُتْرَفِينَ، وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَامِ الْمَسْنُونِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ قِيَامًا لِاسْتِدْعَائِهِ الْقِيَامَ مِنْ الْمَضْجَعِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْمُتَطَوِّعِينَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا اهـ.
وَظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ وَقْتَهَا عِنْدَهُ يَدْخُلُ بِفِعْلِ الْعِشَاءِ فَفَهْمُ الْأَذْرَعِيِّ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ بِمُضِيِّ الرُّبْعِ بَعِيدٌ مُنَافٍ لِكَلَامِهِ كَمَا عَلِمْت، وَمَا جَرَى عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ وَقْتَ اخْتِيَارِهَا ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ اعْتَمَدَهُ جَمْعٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَرُدُّ مَا احْتَجَّ بِهِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أُبَيًّا فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -