للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا جَمْعُ مَا ذُكِرَ بِتَسْلِيمَةٍ فِي نِيَّةٍ وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَرْبَعَةَ تَقَعُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَلَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ تَقَعُ عَنْ الْقَبْلِيَّةِ وَالْأَخِيرَتَيْنِ تَقَعُ عَنْ الْبَعْدِيَّةِ وَلَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمُتَأَخِّرَتَيْنِ لَا تُقَارِنُ فِعْلَهُمَا حِينَئِذٍ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْجَوَازِ إلْحَاقًا لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ بِمَا فِيهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ التَّبَعِيَّةَ زَالَتْ بِزَوَالِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلٍّ تَابَعَ تَأَخُّرُهُ عَنْ مَتْبُوعِهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ فَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ قَاعِدًا فَهَلْ تُجْزِئُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ أَحْرَمَ بِهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ وَصَلَّاهَا قَاعِدًا أَجْزَأَتْهُ عَنْ التَّحِيَّةِ، وَإِلَّا فَلَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْجُلُوسَ الْيَسِيرَ عَمْدًا يُفَوِّتُهَا.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ لَوْ نَوَى التَّحِيَّةَ وَالظُّهْرَ حَصَلَا قَطْعًا وَالْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ حَصَلَا عَلَى الْأَصَحِّ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ اقْتَضَى قَوْلُهُمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ حُصُولِ غُسْلِ الْعِيدِ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَعَكْسه وَعَدَمُ حُصُولِ التَّحِيَّةِ أَيْ ثَوَابُهَا بِنِيَّةِ سُنَّةِ الظُّهْرِ مَبْنَى الطِّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّهَارَةِ أَوْلَى بِالْقَطْعِ بِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ قِيلَ بِوُجُوبِهِ فَجَرَى فِي انْدِرَاجِهِ نَظَرًا لِتَأَكُّدِهِ وَلِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ فَلَمْ يَكْفِ اقْتِرَانُهُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَ لَا وَجْهَ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهَا مَعَ نِيَّتِهَا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُؤَكَّدَتَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ وَغَيْرِ الْمُؤَكَّدَتَيْنِ هَلْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَيُقَالُ: مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ يُقَالُ فِيهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُؤَكَّدِ، وَمَنْ أَتَى بِالْأَرْبَعِ أَتَى بِالْمُؤَكَّدِ وَغَيْرِ الْمُؤَكَّدِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَمْ الْمُرَادُ غَيْرُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ الْمُؤَكَّدِ مِنْ غَيْرِهِ بِالنِّيَّةِ كَمَا لَا يَجِبُ تَمْيِيزُ الْقَضَاءِ عَنْ الْأَدَاءِ بَلْ أَوْلَى وَأَنَّهُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَقَعَتَا عَنْ الْمُؤَكَّدِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى بِتَأَكُّدِ طَلَبِهِ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَدَاءً وَقَضَاءً عَلَى صَلَاةٍ تَنْصَرِفُ لِلْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِقُوَّةِ الْأَدَاءِ، وَأَنَّهُ إنْ صَلَّى الْأَرْبَعَ أُثِيبَ عَلَى الْمُؤَكَّدِ وَغَيْرِهِ، وَلَا فَائِدَةَ لِلتَّمْيِيزِ حِينَئِذٍ لِحُصُولِ الثَّوَابَيْنِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ تَسْلِيمَاتِ التَّرَاوِيحِ أَوْ هِيَ بِدْعَةٌ يُنْهَى عَنْهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الصَّلَاةُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِخُصُوصِهِ. لَمْ نَرَ شَيْئًا فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا فَهِيَ بِدْعَةٌ يُنْهَى عَنْهَا مَنْ يَأْتِي بِهَا بِقَصْدِ كَوْنِهَا سُنَّةً فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِخُصُوصِهِ دُونَ مَنْ يَأْتِي بِهَا لَا بِهَذَا الْقَصْدِ كَأَنْ يَقْصِدَ أَنَّهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ سُنَّةٌ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ بَلْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ مَا يُؤَيِّدُ الْخُصُوصَ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ لِذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ أَنَّ مَنْ قَامَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَمَجَّدَهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَفْتَحَ الْقَوْلَيْنِ فَذَاكَ الَّذِي يَضْحَكُ اللَّهُ إلَيْهِ يَقُولُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي قَائِمًا لَا يَرَاهُ أَحَدٌ غَيْرِي.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ سَنَدٌ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ كَبَّرَ عَشْرًا وَسَبَّحَ عَشْرًا وَتَبَرَّأَ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْسَنَ الصَّلَاةَ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ الدَّيْلَمِيِّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ لَهُ.

وَكَذَا الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ الْحَدِيثَ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا، وَفِي رِوَايَةِ مَنْ فِيهِ بَعْضُ الْمَقَالِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَوَى إلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ قَرَأَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: ١] ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ الْحِلِّ وَالْحَرَامِ وَرَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَرَبَّ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَرَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِحَقِّ كُلِّ آيَةٍ أَنْزَلْتهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَلِّغْ رُوحَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ تَحِيَّةً وَسَلَامًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا فَيَقُولَا لَهُ إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ يُقْرِئُك السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ فَأَقُولُ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مِنِّي السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» وَمِمَّا يَشْهَدُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ تَسْلِيمَاتِ التَّرَاوِيحِ أَنَّهُ يُسَنُّ الدُّعَاءُ عَقِبَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الدَّاعِيَ يُسَنُّ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>