فِعْلِ الصُّبْحِ إنْ وَسِعَ الْوَقْتُ، وَإِلَّا فَبَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ ذُو سَبَبٍ مَا لَمْ يَتَحَرَّ بِهِ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ حَيْثُ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهَا عَلَى الرَّاجِحِ عَلَى مَا فِي أَحَادِيثِهَا مِنْ الضَّعْفِ هَلْ هِيَ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْمُقَيَّدَةِ بِالْيَوْمِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ أَوْ الْعُمُرِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «إنْ اسْتَطَعْت أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ» إلَخْ وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهَا مِنْ النَّوَافِلِ الْمُقَيَّدَةِ يَكُونُ قَضَاؤُهَا مُسْتَحَبًّا، وَتَكْرَارُهَا فِي الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهَا مِنْ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ يَكُونُ قَضَاؤُهَا غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ، وَتَكْرَارُهَا فِي الْيَوْمِ مُسْتَحَبٌّ أَمْ لَا، وَهَلْ التَّسْبِيحُ فِيهَا فَرْضٌ أَوْ بَعْضٌ أَوْ هَيْئَةٌ، وَعَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ لَوْ نَوَاهَا، وَلَمْ يُسَبِّحْ أَوْ عَكَسَ تَكُونُ صَلَاةَ تَسْبِيحٍ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابُهَا أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ فِي تَرْكِ التَّسْبِيحِ بَيْنَ الْعَمْدِ أَوْ السَّهْوِ أَمْ لَا وَهَلْ إذَا سَهَا عَنْ التَّسْبِيحِ فِي رُكْنٍ وَانْتَقَلَ إلَى مَا بَعْدَهُ وَتَذَكَّرَ يَرْجِعُ إلَيْهِ لِيُسَبِّحَ فِيهِ وَيُلْغِيَ مَا بَعْدَهُ أَوْ يَتَدَارَكَ مَا فَاتَهُ مِنْ التَّسْبِيحِ فِي حَالِ سَهْوِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَسْبِيحَ رُكْنٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَأْتِي بِهِ فِي مَحَلِّ التَّذَكُّرِ مَعَ تَسْبِيحِ ذَلِكَ الرُّكْنِ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ أَمْ لَا.
وَهَلْ التَّسْبِيحُ فِيهَا تَابِعٌ لِلْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ أَمْ يُسَرُّ بِهِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَسَائِرِ أَذْكَارِ الصَّلَوَاتِ وَهَلْ تَجِبُ بِالنَّذْرِ، وَتَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِ الْمَنْذُورَةِ أَمْ لَا، وَهَلْ الْفَصْلُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْوَصْلِ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَمْ الْوَصْلُ أَفْضَلُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ وَمَا حُكْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ أَفْتُونَا وَابْسُطُوا الْجَوَابَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِكَرْمِهِ آمِينَ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ اللَّهُمَّ هِدَايَةً لِلصَّوَابِ، الْحَقُّ فِي حَدِيثِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ أَنَّهُ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ فَمَنْ أَطْلَقَ تَصْحِيحَهُ كَابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمِ يُحْمَلُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ يُسَمَّى لِكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ صَحِيحًا، وَمَنْ أَطْلَقَ ضَعْفَهُ كَالنَّوَوِيِّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَمَنْ بَعْدَهُ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ مُفْرَدَاتُ طُرُقِهِ. وَمَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ حَسَنٌ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ مَا قُلْنَاهُ فَحِينَئِذٍ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ الْمُخْتَلِفَةِ فِي ذَلِكَ حَتَّى إنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ يَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ فِي كُتُبِهِ فَيَقُولُ فِي بَعْضِهَا حَسَنٌ وَفِي بَعْضِهَا ضَعِيفٌ كَالنَّوَوِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْعَسْقَلَانِيِّ.
وَمَحْمَلُ ذَلِكَ النَّظَرُ لِمَا قَرَّرْته فَاعْلَمْهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَتَحْرُمُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ، وَوَجْهُ كَوْنِهَا مِنْ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ وَهَذِهِ كَذَلِكَ لِنَدْبِهَا كُلَّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مَا عَدَا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ لِحُرْمَتِهَا فِيهِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَعِبَارَةُ الرُّويَانِيِّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَادَهَا فِي كُلِّ حِينٍ، وَلَا يَتَغَافَلَ عَنْهَا، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ يَنْبَغِي الْحِرْصُ عَلَيْهَا وَمَا يَسْمَعُ بِعَظِيمِ فَضْلِهَا وَيَتَهَاوَنُ فِيهَا إلَّا مُتَهَاوِنٌ بِالدِّينِ وَعُلِمَ مِنْ كَوْنِهَا مُطْلَقَةً أَنَّهَا لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ حَتَّى يُتَصَوَّرَ خُرُوجُهَا عَنْهُ وَتُفْعَلُ خَارِجَهُ لِمَا أَفَادَهُ الْخَبَرُ.
وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ وَقْتٍ غَيْرَ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَقْتٌ لَهَا وَأَنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُهَا، وَلَوْ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالتَّسْبِيحَاتُ فِيهَا هَيْئَةٌ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ بَلْ أَوْلَى فَلَا يُسْجَدُ لِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ نَوَاهَا وَلَمْ يُسَبِّحْ فَالظَّاهِرُ صِحَّةُ صَلَاتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُطَوِّلَ الِاعْتِدَالَ وَلَا الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَا جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ إذْ الْأَصَحُّ الْمَنْقُولُ أَنَّ تَطْوِيلَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ مُبْطِلٌ كَمَا حَرَّرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ.
وَإِنَّمَا اشْتَرَطْت أَنْ لَا يُطَوِّلَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُغْتُفِرَ تَطْوِيلُهَا بِالتَّسْبِيحِ الْوَارِدِ فَحَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِهِ امْتَنَعَ التَّطْوِيلُ، وَصَارَتْ نَافِلَةً مُطْلَقَةً بِحَالِهَا لَكِنَّهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةَ تَسْبِيحٍ، فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَنْوِي صِفَةً ثُمَّ يَتْرُكُهَا؟ قُلْت: لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ كَمَالٌ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ بِنِيَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَوَى سُجُودَ السَّهْوِ فَسَجَدَ وَاحِدَةً ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا جَازَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الِاقْتِصَارَ عَلَى سَجْدَةٍ ابْتِدَاءً لِنِيَّتِهِ مَا لَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ.
فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ هَذَا الْأَخِيرِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى صَلَاةَ التَّسْبِيحِ، وَفِي عَزْمِهِ حَالَ النِّيَّةِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّسْبِيحِ عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاتِهِ قُلْت يُفَرَّقُ أَنَّهُ هُنَا نَوَى مُبْطِلًا، وَهُوَ سَجْدَةٌ فَرَدَّهُ، وَهِيَ لَا تُسَمَّى سُجُودَ سَهْوٍ، وَإِنَّمَا جَازَ الِاقْتِصَارُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute