للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهَا إذَا طَرَأَ بَعْدَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا نَفْلٌ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَأَمَّا ثَمَّ أَعْنِي فِي صُورَةِ التَّسْبِيحِ فَهُوَ لَمْ يَنْوِ مُبْطِلًا.

وَإِنَّمَا نَوَى تَرْكَ كَمَالٍ فَلَمْ تَبْطُلْ بِنِيَّتِهِ؛ إذْ غَايَتُهُ أَنَّ نَافِلَتَهُ حِينَئِذٍ لَا تُسَمَّى صَلَاةَ تَسْبِيحٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِصِحَّةِ السُّنَّةِ نَعَمْ إنْ نَوَى صَلَاةَ التَّسْبِيحِ نَاوِيًا أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ، وَأَنَّهُ يُطَوِّلُ رُكْنًا قَصِيرًا بِغَيْرِ تَسْبِيحٍ فَالْبُطْلَانُ وَاضِحٌ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ نَوَى مُبْطِلًا حِينَئِذٍ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ أَوْ عَكَسَ جَازَ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ مَا لَمْ يُطِلْ بِهِ رُكْنًا قَصِيرًا؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ انْعَقَدَتْ نَافِلَةً لَا تُسَمَّى صَلَاةَ تَسْبِيحٍ، وَهُمْ لَمْ يَغْتَفِرُوا تَطْوِيلَ الْقَصِيرِ إلَّا فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ اتِّبَاعًا لِلْوَارِدِ مَا أَمْكَنَ، وَلَوْ سَهَا عَنْ التَّسْبِيحِ فِي رُكْنٍ وَانْتَقَلَ لِمَا بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ عَامِدًا عَالِمًا فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ تَدَارَكَهُ فِيمَا يَلِيهِ إنْ كَانَ غَيْرَ قَصِيرٍ كَتَسْبِيحِ الِاعْتِدَالِ فِي السُّجُودِ.

فَإِنْ كَانَ قَصِيرًا كَأَنْ تَرَكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ لَمْ يَتَدَارَكْهُ فِي الِاعْتِدَالِ لِأَنَّهُ لَا يُطَوِّلُهُ عَنْ الْوَارِدِ بَلْ فِي السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ طَوِيلٌ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالسُّنَّةُ الْإِسْرَارُ بِتَسْبِيحِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَأَمَّا قِرَاءَتُهَا فَفِي النَّهَارِ يُسِرُّهَا وَفِي اللَّيْلِ يَتَوَسَّطُ فِيهَا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَتَجِبُ بِالنَّذْرِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي بَابِ النَّذْرِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَجِبُ بِالنَّذْرِ.

وَإِذَا نُذِرَتْ صَارَتْ وَاجِبَةً فَيُثَابُ عَلَيْهَا ثَوَابَ الْوَاجِبِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ النَّذْرَ نَفْسَهُ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ النَّذْرَ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ أَوْ مَنْدُوبٌ إنْ كَانَ غَيْرَ نَذْرِ لَجَاجٍ، وَهُوَ الَّذِي يُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ وَيَجُوزُ فِيهَا الْفَصْلُ وَالْوَصْلُ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَتَنَاوَلُهُمَا لَكِنْ اسْتَحْسَنَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ إذَا صَلَّاهَا فِي النَّهَارِ وَصَلَهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَإِنْ صَلَّاهَا فِي اللَّيْلِ فَصَلَهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى، وَكَأَنَّ الْغَزَالِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا أَخَذَ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَشْهَرُ هَذَا مَا تَيَسَّرَ الْآنَ وَنَحْنُ عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ مَعَ فَقْدِ الْكُتُبِ لَا سِيَّمَا شَرْحِي لِلْعُبَابِ الَّذِي جَمَعَ فَأَوْعَى وَشَرْحِي لِلْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِمَا.

وَقَدْ ذَكَرْت فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مِنْ الْأَبْحَاثِ وَالْفَوَائِدِ مَا لَا يَسْتَغْنِي فَاضِلٌ عَنْ مُرَاجَعَتِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ فَاتَهُ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَيَأْتِي بِهَا عِنْدَ أَخْذِ الْمَضْجَعِ هَلْ تَتَأَدَّى بِهِ السُّنَّتَانِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِهِ مِنْ الْعِشَاءِ وَأَخْذِ الْمَضْجَعِ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ عُرْفًا ذَلِكَ الذِّكْرُ إلَى الصَّلَاةِ فَاتَتْهُ سُنَّةُ ذَلِكَ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ إذْ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ مُرَادَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ أَنَّ الْأَذْكَارَ الَّتِي تُسَنُّ بَعْدَ سَلَامِ الصَّلَاةِ إنَّمَا تَحْصُلُ سُنَّتُهَا حَيْثُ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا طُولًا تَخْرُجُ بِهِ الْأَذْكَارُ عَنْ أَنْ تُنْسَبَ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ وَقُصِدَ بِهِ الْإِتْيَانُ لَهُمَا اُحْتُمِلَ أَنْ يُقَالَ تَحْصُلُ لَهُ السُّنَّتَانِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ وُقُوعُ النَّوْمِ عَلَى ذِكْرٍ، فَإِذَا أَتَى بِهِ لِلصَّلَاةِ وَلَهُ كُفِيَ لَهُمَا، وَلَوْ أَتَى بِهِ بِقَصْدِ الصَّلَاةِ فَقَطْ أَوْ بِقَصْدِ النَّوْمِ فَقَطْ حَصَلَ مَا نَوَاهُ، وَلَمْ يُثَبْ عَلَى الْآخَرِ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُهُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذَا صَلَّى غَيْرَهَا أَنَّهُ لَا يُحَصِّلُ فَضْلَهَا إلَّا إنْ نَوَيْت، وَإِلَّا سَقَطَ طَلَبُهَا عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا بَسَطْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا هُنَا أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا أَنْ لَا يُنْتَهَكَ الْمَسْجِدُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَكَانَ قِيَاسُهُ حُصُولَ فَضْلِهَا كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ لَكِنْ خَبَرُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يَرُدُّهُ. فَجَمْعُنَا يَجْعَلُ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ سُقُوطُ الطَّلَبِ فَيَحْصُلُ بِأَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ، وَالْقَصْدُ هُنَا وُقُوعُ النَّوْمِ عَلَى ذِكْرٍ وَخَتْمُ الصَّلَاةِ بِهِ فَأُعْطِيَ حُكْمَ التَّحِيَّةِ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُمَا إنْ نُوِيَا حُصِّلَا وَإِلَّا حَصَّلَ مَا نَوَى فَقَطْ، وَسَقَطَ طَلَبُ الْآخَرِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِيمَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ وَقُلْنَا بِنَدْبِ قَضَاءِ مِثْلِ هَذَا الذِّكْرِ فَإِذَا أَتَى بِهِ فِي مَضْجَعِهِ نَاوِيًا بِهِ الْقَضَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>