لَا تَنْصَرِفُ إلَّا إلَى الْوِتْرِ دُونَ الشَّفْعِ، وَإِنَّمَا جَازَ فِيمَا إذَا أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ أَنْ يَنْوِيَ بِكُلِّ شَفْعٍ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَّةٍ هِيَ وِتْرٌ نَعَمْ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْوِتْرَ بَلْ نَوَى مِنْ الْوِتْرِ فَظَاهِرٌ أَنَّ لَهُ تَعْيِينَ الشَّفْعِ كَالْأَرْبَعِ وَيُسَلِّمُ مِنْهَا حِينَئِذٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْبَعَ تُسَمَّى مِنْ الْوِتْرِ، وَلَا تُسَمَّى الْوِتْرَ فَلَزِمَهُ فِي نِيَّةِ الْوِتْرِ أَنْ يُعَيِّنَ عَدَدًا هُوَ وِتْرٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِهِ فِي نِيَّةٍ مِنْ الْوِتْرِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ شَفْعًا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِنِيَّةِ الْوِتْرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عَدَدٍ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِنِيَّةِ سُنَّةِ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عَدَدٍ فَإِنْ قُلْنَا فِيهَا بِجَوَازِ الْوَصْلِ كَالْوِتْرِ يَأْتِي فِيهَا نَظِيرُ مَا سَبَقَ فِي الْوِتْرِ، وَإِنْ قُلْنَا فِيهَا بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي مَجْمُوعِهِ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّةُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْأَرْبَعِ الْقَبْلِيَّةِ أَوْ الْبَعْدِيَّةِ بِتَسْلِيمَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ.
وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَأَبُو شُكَيْل أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَفَرَّقَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذِهِ، وَامْتِنَاعِ جَمْعِ أَرْبَعٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ فِي تَسْلِيمَةٍ بِأَنَّ التَّرَاوِيحَ أَشْبَهَتْ الْفَرْضَ بِطَلَبِ الْجَمَاعَةِ فَلَا تَغَيُّرَ عَمَّا وَرَدَ فِيهَا، وَأَيْضًا فَجِنْسُ الرَّاتِبَةِ وَرَدَ فِيهِ الْوَصْلُ كَالْوِتْرِ بَلْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ الْوَصْلُ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَسُنَّةِ الْعَصْرِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّ الْوَصْلَ هُنَا أَفْضَلُ لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْفَصْلَ هُنَا أَفْضَلُ كَالْوِتْرِ، وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنِيَّةُ الْعَدَدِ لَا تَجِبُ فَيَجُوزُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ نِيَّةُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ أَوْ الْبَعْدِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ ثُمَّ عَلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَمَدِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ، وَأَنْ يُصَلِّيَ الْأَرْبَعَ بِتَسْلِيمَةٍ وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا.
هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا، وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ عَدَدًا كَرَكْعَتَيْنِ مِنْ إحْدَى الرَّوَاتِبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا عَيَّنَهُ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عَدَدًا وَفَوَّضَهُ إلَى خِيرَةِ الْمُتَعَبِّدِ كَانَ أَمْرُهُ أَخَفَّ مِنْ غَيْرِهِ فَجَازَ لِمَنْ نَوَى مِنْهُ عَدَدًا أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُنْقِصَ عَنْهُ بِشَرْطِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ.
وَأَمَّا غَيْرُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ مِنْ الرَّوَاتِبِ وَغَيْرِهَا فَمَتَى نَوَى عَدَدًا مِنْهُ لَا يَجُوزُ نَقْصُهُ، وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَمَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ عَنْ ابْنِ الْعِرَاقِيِّ كَلَامٌ إجْمَالِيٌّ يَصِحُّ تَنْزِيلُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّاتِبَةِ صَحَّ قَوْلُهُ: لَا يَتَأَدَّى بِهِ السُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ أَيْ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ زَادَ عَلَيْهِمَا جَاهِلًا وَقَعَ لَهُ جَمِيعُ مَا أَتَى بِهِ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَلَمْ يُحْسَبْ لَهُ عَنْ الرَّاتِبَةِ.
وَإِنْ زَادَ عَالِمًا بِعَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ بَطَلَ جَمِيعُ مَا أَتَى بِهِ وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ الرَّاتِبَةِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ مِنْ النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ صَحَّ كَلَامُهُ أَيْضًا بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ زِيَادَةُ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ الْمَنْوِيَّتَيْنِ، وَلَا يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ عَنْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهَا وَقَوْلُهُ: وَمَا قَبِلَ أَيْ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ذَلِكَ كَلَامٌ غَيْرُ مُلْتَئِمٍ، وَقَوْلُهُ: فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَيْ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ هَذَا اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ، وَمَنْعُ الْإِجْمَالِ كَلَامٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ لَمَّا اكْتَفَى فِي النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ بِنِيَّةِ فِعْلِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ أَفْهَمَ أَنَّ الرَّاتِبَةَ وَنَحْوَهَا لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ التَّعْيِينِ، وَأَخْذُ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ حَتَّى فِي الْمُخْتَصَرَاتِ فَاسْتِنْبَاطُهُ مِمَّا ذُكِرَ قُصُورٌ أَيُّ قُصُورٍ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا مَهَّدَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَبَيَّنُ إلَخْ.
وَإِذَا أَخَّرَ الرَّاتِبَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ إلَى مَا بَعْدَ الْفَرْضِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي نِيَّةٍ وَاحِدَةٍ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَمَّا عِنْدَ الْمَانِعِينَ لِجَمْعِ الْأَرْبَعِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمُجَوِّزِينَ لَهُ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ النِّيَّةَ ثَمَّ وَاحِدَةٌ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ، وَأَمَّا النِّيَّةُ هُنَا فَمُخْتَلِفَةٌ؛ إذْ لَا بُدَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُعَيِّنَ فِي نِيَّةِ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْمُتَقَدِّمَةَ وَالْمُتَأَخِّرَةَ اتِّفَاقًا، وَإِذَا اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ كُلٍّ اسْتَحَالَ الْجَمْعُ؛ إذْ مِنْ الْبَيِّنِ إلْغَاءُ قَوْلِهِ: أُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْمُتَقَدِّمَةَ وَالْمُتَأَخِّرَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَوْ جَازَ لَكَانَتْ الثَّمَانِيَةُ بِجَمِيعِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute