للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْقَطْعُ فِي زَمَانِنَا بِتَحْرِيمِ خُرُوجِ الشَّابَّات وَذَوَات الْهَيْئَات لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ وَالْمَعْنَى الْمُجَوِّزُ لِلْخُرُوجِ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ قَدْ زَالَ وَأَيْضًا فَكُنَّ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ وَيَغْضُضْنَ أَبْصَارهنَّ وَكَذَا الرِّجَالُ وَمَفَاسِدُ خُرُوجِهِنَّ الْآنَ مُحَقَّقَةٌ وَذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَنَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهَا أَيْضًا مِمَّنْ مَرَّ ذِكْرُهُمْ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي مَنْعِهِنَّ إلَّا غَبِيٌّ جَاهِلٌ قَلِيلُ الْبِضَاعَة فِي مَعْرِفَةِ أَسْرَارِ الشَّرِيعَة قَدْ تَمَسَّك بِظَاهِرِ دَلِيلٍ حَمْلًا عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ فَهْمِ مَعْنَاهُ مَعَ إهْمَالِهِمْ فَهْمَ عَائِشَةَ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهَا وَمَعَ إهْمَالِ الْآيَات الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ إظْهَارِ الزِّينَةِ وَعَلَى وُجُوبِ غَضِّ الْبَصَرِ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَالْفَتْوَى بِهِ اهـ.

وَهَذَا حَاصِلُ مَذْهَبِنَا وَاحْذَرْ مِنْ إنْكَارِ شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ قَبْلَ التَّثَبُّت فِيهِ وَلَا تَغْتَرّ بِمَنْ تَمَوَّهَ بِلِسَانِهِ وَتَفَوَّهَ بِمَا لَا خِبْرَةَ لَهُ بِهِ فَإِنَّ الْعِلْمَ أَمَانَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيق وَالْإِعَانَة

سُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ مَا حَدُّ جَارِ الْمَسْجِدِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ جِوَارُهُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. كَمَا فِي الْوَصِيَّة وَقَالَ غَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ الْأَحَادِيث هُوَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ أَيْ: إذَا كَانَ الْمُنَادِي فِي أَرْضِ الْمَسْجِدِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ هُنَا لِتَسْمِيَةِ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ جَارًا مَا ذَكَرُوهُ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرِ نِدَاءٌ حَيْثُ يُؤَذِّنُ كَعَادَتِهِ وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يَلِيهِمْ وَالْأَصْوَات هَادِيَةٌ وَالرِّيَاحُ رَاكِدَةٌ وَأَنْ يَكُونَ الْمُصْغِي لِلنِّدَاءِ مُعْتَدِلَ السَّمْعِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ حَرُمَ عَلَى الْإِمَامِ الِانْتِظَارُ هَلْ هُوَ مُشْكِلٌ بِكَرَاهَةِ الِانْتِظَارِ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِمُشْكِلٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالِانْتِظَارِ فِي الصَّلَاةِ يَحْصُلُ لِلْمَأْمُومِينَ فِي مُقَابَلَةِ تَضَرُّرِهِمْ بِهِ عِبَادَةٌ بِخِلَافِ الِانْتِظَارِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ فِي مُقَابَلَته شَيْءٌ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ يُسَنُّ انْتِظَارُ الْمَأْمُوم فِي الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّد الْأَخِيرِ هَلْ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُزَادُ عَلَيْهِ الْمَزْحُوم فَيُسَنُّ انْتِظَاره فِي الْقِرَاءَة وَالْمُوَافِق الْبَطِيءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ انْتِظَاره فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَة وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَزْحُومِ الْمُوَافِق إذَا شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ. ثُمَّ جَرَى هُوَ جَهْلًا عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ فَيُسَنُّ انْتِظَاره فِي الْقِيَامِ أَيْضًا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا كَالْجَامِعِ عِنْدَنَا بِالشَّحْنِ وَلَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ مُتَوَلِّي وَظِيفَةَ الْإِمَامَة عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ فَهَلْ لِغَيْرِهِ أَنْ يُقِيمَ الْجَمَاعَة فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي الْإِمَامُ الْمَذْكُور وَعِبَارَةُ سَيِّدِنَا الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِنْ حَضَرُوا وَالْإِمَامُ لَمْ يَحْضُرْ فَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ قَرِيبٌ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْعَثَ إلَيْهِ لِيَحْضُر؛ لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَاعَة عَلَيْهِ افْتِيَاتًا وَإِفْسَادًا لِلْقُلُوبِ.

وَإِنْ خُشِيَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَظِرُوا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ ذَهَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَضَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُنْكِرْ» . قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ لِلْمُهَذَّبِ حَدِيثُ قِصَّةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ

قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَاب إذَا حَضَرَتْ الْجَمَاعَة وَلَمْ يَحْضُرْ إمَامٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ قَامَ وَاحِدٌ وَصَلَّى بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا بَعَثُوا إلَيْهِ مَنْ يَسْتَعْلِمُ خَبَرَهُ لِيَحْضُر أَوْ يَأْذَنَ لِمَنْ يُصَلِّي بِهِمْ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَوْضِعِهِ. فَإِنْ عَرَفُوا مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ أَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى بِتَقَدُّمِ غَيْرِهِ وَلَا تَحْصُلُ بِسَبَبِهِ فِتْنَةٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ وَيُصَلِّي بِهِمْ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور وَيُحْفَظُ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ وَأَحَبُّهُمْ إلَى الْإِمَامِ فَإِنْ خَافُوا أَذَاهُ أَوْ فِتْنَةً انْتَظَرُوهُ وَإِنْ طَالَ الِانْتِظَارُ وَخَافُوا فَوَاتَ الْوَقْتِ كُلِّهِ صَلَّوْا جَمَاعَةً هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَاب اهـ. كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِحُرُوفِهِ.

وَقَالَ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِنْ حَضَرَ وَقَدْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ كُرِهَ

<<  <  ج: ص:  >  >>