للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِيهِ الْجَمَاعَة؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ قَصَدَ الْكِيَادَ وَالْإِفْسَادَ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ فِي السُّوقِ أَوْ مَمَرِّ النَّاسِ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِيهِ الْجَمَاعَة؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرُ الْكِيَادَ وَالْإِفْسَادَ فَإِنْ حَضَرَ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا مَنْ صَلَّى اُسْتُحِبَّ لِمَنْ حَضَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ لِتَحْصُل لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَة.

وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى» مَعَهُ اهـ. لَفْظُ الْمُهَذَّبِ بِحُرُوفِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ إنَّ الْمَسْجِدَ الْمَطْرُوق لَا تُكْرَهُ فِيهِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَة فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ هُوَ مَطْرُوقًا كُرِهَ لِغَيْرِهِ إقَامَةُ الْجَمَاعَة فِيهِ ابْتِدَاءً قَبْلَ فَوَاتِ مَجِيءِ إمَامِهِ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ كُرِهَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ أُخْرَى فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. إذًا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُور وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا أَوْ غَيْرَ مَطْرُوقٍ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ لَمْ يُكْرَهْ إقَامَةُ الْجَمَاعَة الثَّانِيَة فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ لَفْظُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِحُرُوفِهِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ حَضَرَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ. فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إمَامُهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُبْعَثَ إلَيْهِ لِيَحْضُر وَإِنْ خِيفَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ. قُلْت تَقَدُّمُ غَيْرِهِ مُسْتَحَبٌّ إنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ فَإِنْ خِيفَ صَلَّوْا فُرَادَى وَيُسْتَحَبّ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا مَعَهُ إذَا حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ كُرِهَ لِغَيْرِهِ إقَامَةُ الْجَمَاعَة فِيهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَلَا بَأْسَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي بَابِ الْأَذَانِ اهـ لَفْظُهُ هُنَا بِحُرُوفِهِ وَكَلَامُهُ هُنَا فِي الرَّوْضَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَطْرُوقًا لَا تُكْرَهُ الْجَمَاعَة الْأُولَى فِيهِ.

وَكَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ السَّابِقِ يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْجَمَاعَةِ الثَّانِيَة وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَابُ تَقْدِيمِ الْجَمَاعَة مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ إذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ فِيهِ حَدِيثُ تَقَدُّمِ أَبِي بَكْرٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَأَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ وَإِنْكَارٌ مِنْ الْإِمَامِ اهـ وَهَذَا يُخَالِفُهُ أَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْمَطْرُوق وَفِي شَرْحِ التَّنْبِيه لِلْأَزْرَقِيِّ بَعْدَ قَوْلِ التَّنْبِيه إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ كُرِهَ لِغَيْرِهِ إقَامَةُ الْجَمَاعَة فِيهِ مَا لَفْظُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْإِمَامِ حَالَيْنِ فَذَكَرَ الْحَالَ الْأَوَّلَ وَالْخِلَافَ فِيهِ ثُمَّ قَيَّدَهُ بِالْمَطْرُوقِ.

ثُمَّ قَالَ الْحَالَةُ الثَّانِيَة إنْ كَانَ الْإِمَامُ لَمْ يَصِلْ وَذَكَرَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَطْرُوقِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْحَالَةَ الْأُولَى وَأَمَّا الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَقَالَ فِيهِ فِي آخِرِ الْبَابِ بَعْدَ قَوْلِ الرَّوْضِ وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَامَ جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامِهِ الرَّاتِبِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ إلَّا إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَلَا يُكْرَهُ إقَامَتُهَا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِ الرَّوْضِ وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ وَيُبْعَثُ لَهُ فَإِنْ خِيفَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأُمِنَتْ الْفِتْنَةُ أَمَّ غَيْرُهُ وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى قَالَ فِي شَرْحِهِ ثُمَّ مَحَلُّ ذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مَطْرُوقٍ. وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا أَوَّلَ الْوَقْتِ جَمَاعَةً كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ اهـ فَأَخَذَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِظَاهِرِ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى مُخَالَفَةِ كَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِهَذَا الظَّاهِرِ وَلَا نَظَرَ أَيْضًا إلَى كَلَامِ شَرْحِ مُسْلِمٍ.

وَلَا شَكَّ أَنَّا إذَا اعْتَمَدْنَا هَذَا الظَّاهِرَ كَانَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِكَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُهَذَّبِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ وَكَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَتَأَمَّلُوا حَفِظَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَهَلْ لِعِبَارَتِهِ هَذِهِ مَحْمَلٌ آخَرُ وَفِي الْمُنْتَقَى لِلنَّشَائِيِّ وَلَوْ حَضَرَ قَوْمٌ بِمَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَهُوَ أَوْلَى فَإِنْ غَابَ نُدِبَ طَلَبُهُ إنْ أُمِنَ وَقْتُ الْفَضِيلَة وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ غَيْرُهُ قُلْت بِأَمْنِ الْفِتْنَةِ وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى وَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ إقَامَةِ الْجَمَاعَة لَمْ يُكْرَهْ لَهُمْ إقَامَتُهَا. إذَا لَمْ يَكُنْ رَاتِبٌ أَقُولُ وَفِيهِ وَجْهٌ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ فِي الْأَذَانِ يُكْرَهُ قُلْت وَلَا كَرَاهَةَ بِالْمَطْرُوقِ كَيْفَ خُصِّصَ الْمَطْرُوق بِالصُّورَةِ الثَّانِيَة وَلَمْ يَذْكُرْهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ آخِرَ الْبَابِ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعْلِيل بِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَاعَة عَلَيْهِ افْتِيَاتًا وَإِفْسَادًا لِلْقُلُوبِ يَشْمَلُ الْمَطْرُوق وَغَيْرَهُ ` فَتَأَمَّلُوا ذَلِكَ حَفِظَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَأَمُّلًا شَافِيًا وَأَوْضِحُوا الْجَوَابَ وَاذْكُرُوا النَّقْلَ فِي الْمَسْأَلَة إنْ كَانَ. وَإِنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>