للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلْمُتَأَخِّرِينَ كَلَامٌ فِيهَا فَاسْتَوْعِبُوهُ مَأْجُورِينَ لَا عَدِمَكُمْ الْمُسْلِمُونَ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ بَلْ صَرَّحَتْ بِهِ وَأَقَرَّهَا الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْمَطْرُوق لَا تُكْرَهُ الْجَمَاعَة فِيهِ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَا بَعْدَهُ بَلْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الْجَمَاعَة الثَّانِيَة وَجَزَمَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَة مَعَهُ كَذَلِكَ وَلَّى مُدَّة طَوِيلَة أَتَطْلُبُ لَهُ صَرِيحًا مِنْ كَلَامِهِمْ فَلَمْ أَجِدْهُ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يُسْتَدَلُّ لَهُ بِهِ عُمُومُ إطْلَاقهمْ أَنَّ الْمَطْرُوق يُخَالِفُ غَيْرَهُ لَكِنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ بَحْثٍ وَوَجْهُ عَدَمِ كَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَطْرُوق. انْتِفَاءُ السَّبَبِ الَّذِي كُرِهَ لِأَجْلِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ يُورِثُ قَدْحًا فِي الْإِمَامِ وَطَعْنًا فِيهِ وَإِنَّمَا يَقْوَى ذَلِكَ عِنْدَ كَوْنِ الْمَسْجِدِ غَيْرَ مَطْرُوقٍ بِخِلَافِ الْمَطْرُوق فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُ وُرُودُهُمْ عَلَيْهِ فَلَا يُتَخَيَّلُ فِي تَعَدُّدِ الْجَمَاعَاتِ حِينَئِذٍ قَدْحٌ فِي الْإِمَامِ نَعَمْ إنْ أَلِفَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ مُتَصَدٍّ لَهُ بِحَيْثُ يُقْطَعُ مِنْ قَرَائِنِ أَحْوَالِهِ أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ مُضَادَّةَ الْإِمَامِ وَالطَّعْنَ فِيهِ فَلَا يَبْعُدُ حِينَئِذٍ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ وَإِنْ تُخُيِّلَ مِنْ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَيَّدُوا بِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمَطْرُوق لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ النَّصِّ.

وَاعْتَمَدُوهُ أَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ إقَامَةِ الْجَمَاعَة بَعْدَهُ فِي غَيْرِ الْمَطْرُوق مَا إذَا كَانُوا يُعَادُونَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْعَدَاوَةِ وَالِاخْتِلَافِ فَيُفَوِّتُ مَقْصُودَ الْجَمَاعَة وَاعْتَمَدَ صَاحِبُ الْوَافِي أَيْضًا ذَلِكَ فَقَالَ مَحَلُّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَطْرُوق فِي جَمْعِ مَخْصُوصِينَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى إفْسَادهمْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَ ذَلِكَ لِأَعْذَارٍ خَلَّفَتْهُمْ عَنْهُ فَلَا يُكْرَهُ وَكَذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا أُقِيمَتْ الْجَمَاعَة بَعْدَهُ مُرَاغَمَةً لَهُ أَوْ إظْهَارًا لِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَاب مَا يُعَضِّدُهُ اهـ لَكِنْ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلهمْ الْكَرَاهَة بِمَا ذُكِرَ الْكَرَاهَة فِي مَسْأَلَتنَا أَيْضًا. وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ مَفْرُوضَةً فِي غَيْرِ الْمَطْرُوق وَمَسْأَلَتنَا مَفْرُوضَةٌ فِي الْمَطْرُوق وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُونَ تَعَارُضَ الْعِلَّةِ وَالْمُعَلَّلِ وَيَأْخُذُونَ بِقَضِيَّةِ الْعِلَّةِ تَارَةً وَالْمُعَلَّلِ أُخْرَى بِحَسَبِ الْمُدْرَكِ وَالْعَمَلُ هُنَا بِقَضِيَّةِ الْعِلَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَهُ مَزِيدُ اعْتِنَاءٍ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى وُقُوعِ الْأُلْفَةِ وَعَدَمِ التَّنَافُر وَإِظْهَارِ الْعَدَاوَة بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا مَا يَتَلَخَّصُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَبَعْدَ ذَلِكَ نَرْجِعُ إلَى مَا فِي السُّؤَالِ فَنَقُولُ قَوْلَ الْمَجْمُوع.

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَاب إذَا حَضَرَتْ الْجَمَاعَة وَلَمْ يَحْضُرْ إمَامٌ إلَخْ مَحَلُّهُ فِي الْمَطْرُوق لِمَا صَرَّحَ بِهِ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالتَّقْيِيدِ فِي قَوْلِهِ وَخَافُوا فَوَاتَ الْوَقْتِ كُلِّهِ.

إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُسَنُّ لَهُمْ التَّجَمُّع وَإِنْ خَافُوا فِتْنَتَهُ كَمَا بَسَطْته فِي بُشْرَى الْكَرِيمِ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَكَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْجَمَاعَةِ الثَّانِيَة يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَلْ صَرَّحَ فِيهِ بِمَسْأَلَةِ الْجَمَاعَة الْأُولَى أَيْضًا حَيْثُ قَالَ كَمَا حَكَى فِي السُّؤَال قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ هُوَ مَطْرُوقًا كُرِهَ لِغَيْرِهِ إقَامَةُ الْجَمَاعَة ابْتِدَاءً إلَخْ فَقَيَّدَ كَرَاهَةَ الْجَمَاعَة الْأُولَى قَبْلَ الْإِمَامِ بِغَيْرِ الْمَطْرُوق فَأَفْهَمَ أَنَّ الْمَطْرُوق لَا تُكْرَهُ فِيهِ الْجَمَاعَة الْأُولَى قَبْلَ الْإِمَامِ ثُمَّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ فِيهِ الْجَمَاعَة الثَّانِيَة أَيْضًا. فَلَا مُخَالَفَةَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُكْرَهْ إقَامَةُ الْجَمَاعَة الثَّانِيَة فِيهِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الْأُولَى بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَلَك حَمْلُ قَوْلِهِ الثَّانِيَة عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّهَا ثَانِيَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَشْمَلُ الْمُتَقَدِّمَة عَلَيْهَا وَالْمُتَأَخِّرَة عَنْهَا فَحِينَئِذٍ لَا مُخَالَفَةَ أَيْضًا بَلْ يَكُونُ مُصَرِّحًا بِالْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ.

وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ مُخَالَفَةِ مُسْلِمٍ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمَطْرُوق عَلَى مَا فِيهِ لَا نُسَلِّمُ الْمُخَالَفَةَ فَإِنَّهُ قَيْدٌ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ تُخَفْ فِتْنَةٌ وَنَحْنُ نَلْتَزِمُ أَنَّهُ فِي الْمَطْرُوق لَوْ خُشِيَ مِنْ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ الْقَرِيبَة فِتْنَةٌ كُرِهَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا بَلْ قَدْ يَنْتَهِي الْأَمْرُ إلَى الْحُرْمَةِ بِحَسَبِ تَفَاقُمِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ وَعَدَمِهِ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي هِيَ نَحْوُ الضَّرْبِ وَمُجَرَّدِ تَشَاحُنٍ أَوْ تَقَاطُعٍ وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْأَزْرَقِيِّ وَهُوَ كَوْنُهُ لَمْ يُقَيَّدْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُ السَّائِلِ فَأَخَذَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِظَاهِرِ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى مُخَالَفَةِ كَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَخْ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِمَّا مَرَّ وَأَنَّ كَلَامَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُوَافِقٌ لَا مُخَالِفٌ.

وَقَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>