وَالصَّلَاةَ صَحَّتْ وَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عُلَمَاءُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ فِي بَلَدٍ أَرْبَعُونَ أُمِّيًّا فَقَطْ وَاتَّفَقُوا أُمِّيَّةً قَالَ الْبَغَوِيّ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ الْجُمُعَةُ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ قَالَ فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَرْبَعِينَ أُمِّيًّا وَبَعْضُهُمْ قَارِئًا أَيْ: كَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَمْ تَصِحّ الْجُمُعَةُ لِارْتِبَاطِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَأَشْبَهَ اقْتِدَاءَ قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفُوا أُمِّيَّةً كَأَنْ أَحْسَنَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْفَاتِحَةِ مَا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُونَ اهـ وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أُمِّيًّا إذَا قَصَّرَ الْأُمِّيُّ فِي التَّعَلُّم وَإِلَّا فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا.
وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي السُّؤَالِ فِيهَا تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْأُمِّيِّينَ إنْ قَصَّرُوا أَوْ قَصَّرَ بَعْضُهُمْ فِي التَّعَلُّم لَمْ تَصِحّ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا صَحَّتْ فَيَلْزَمُهُمْ إقَامَتُهَا وَإِذَا لَمْ تَصِحّ فَيَلْزَمُ مَنْ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّم التَّعَلُّمُ حَتَّى تَصِحّ الْجُمُعَةُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ جَهِلُوا كُلُّهُمْ الْخُطْبَةَ لَمْ تَجُزْ الْجُمُعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَهَا بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهَا تُشْرَطُ لِصِحَّتِهَا وَمُرَادُهُ بِجَوَازِهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي مَا يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّهُ إذَا عَرَفَهَا وَاحِدٌ مِنْ الْأُمِّيِّينَ الْمُسْتَوِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ عَنْهُ وَحَيْثُ لَمْ تَلْزَمْهُمْ الْجُمُعَةُ وَسَمِعُوا النِّدَاءَ بِشَرْطِهِ مِنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَخْشَوْا مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَلَا مَالِهِمْ لَزِمَهُمْ الذَّهَابُ إلَيْهِمْ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ مَعَهُمْ وَإِلَّا أَثِمُوا وَإِنْ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ إذَا فُقِدَ شَرْطُهَا فَلَا تَجُوزُ وَلَا تُجْزِئُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ وَلَا يَسْتَخْلِفُ فِي الْجُمُعَةِ إلَّا مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ فَهَلْ فِي عِبَارَتهمْ مَا يُفْهِمُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَذَكَّرَ حَدَثَهُ قَبْلَ دُخُولِ الصَّلَاةِ لَا يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَحَدًا مِنْ الْمَأْمُومِينَ؛ لِأَنَّهُمْ اقْتَدَوْا بِالْإِمَامِ بَعْدَ الْحَدَثِ أَمْ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَة ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ فِي عِبَارَتهمْ مَا يُفْهِمُ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا امْتِنَاعه بِمَنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ بِأَنَّ فِيهِ إنْشَاءَ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى أَوْ فِعْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّعْلِيل فِيمَنْ ابْتَدَأَ الدُّخُولَ فِي الْجَمَاعَة بَعْدَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ابْتِدَائِهِ الْجَمَاعَة حِينَئِذٍ أَحَدُ ذَيْنِك الشَّيْئَيْنِ الْمُمْتَنِعَيْنِ وَأَمَّا مَنْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ الْمُحْدِثِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَجُمُعَتُهُ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ إذْ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُحْدِثِ صَحِيحَةٌ مُحَصِّلَةٌ لِلْجَمَاعَةِ فِي الْجُمُعَةِ بِشَرْطِهَا وَفِي غَيْرِهَا وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْجَمَاعَة كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.
وَإِذَا صَحَّتْ جُمُعَتُهُ فِي صُورَتِنَا قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَلَا فِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا مُقْتَضَى حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ اسْتِخْلَافِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَانِعَ لَهُ هُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ ذَيْنِك الْأَمْرَيْنِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْته عَنْهُمْ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُحْدِثِ صَحِيحَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْجَمَاعَة بِشَرْطِهَا وَفِي غَيْرِهَا صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَتِنَا إذْ مِنْ أَحْكَامِ الْجَمَاعَة جَوَازُ اسْتِخْلَاف أَحَدِ الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ وَجَمَاعَتُهُمْ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَسْأَلَتِنَا فَتَكُونُ بِهَذَا التَّقْرِير دَاخِلَةً فِي عِبَارَتهمْ. وَوَجْهُهَا ظَاهِرٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَلَا عَلَى تَقَدُّمِهِ بِنَفْسِهِ مَحْذُورٌ فَلَا يَتَّضِحُ لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ هُنَا وَجْهٌ حَتَّى يُقَالَ بِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْجُمُعَةِ الْجَمَاعَة إلَّا فِي الثَّانِيَة فَيَجُوزُ لِلْمَأْمُومِينَ أَنْ يُتِمّ كُلٌّ جُمُعَتَهُ فُرَادَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة فَإِذَا جَاءَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِأَيِّ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ فَكَيْفَ يُحْرِمُ مَنْ جَاءَ فَإِنْ قُلْتُمْ يُحْرِمُ بِالظُّهْرِ فَكَيْفَ تَصِحُّ ظُهْرُهُ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَنْبَنِي عَلَى مُقَدَّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامِ الْمَسْبُوقِينَ الَّذِي مِنْهُمْ شَخْصٌ لَيْسَ مِنْهُمْ وَصَلَّى مَعَهُمْ رَكْعَةً وَسَلَّمُوا فَلَهُ أَنْ يُتِمّهَا جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَفْتَحَ الْجُمُعَةَ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مُسْتَدِيمٌ لَا مُسْتَفْتِحٌ وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ جَمْعٌ يَمَنِيُّونَ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ شَرَحَ الْإِرْشَادَ فِيمَا وَقَعَ لِشَيْخِنَا زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute