فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ لَكِنْ فِي هَذَا التَّنْظِير نَظَرٌ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَاب امْتِنَاعُ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمْت بِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا إشْكَالَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الدَّاخِلَ يَلْزَمُهُ الِاقْتِدَاءَ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَ الثَّانِيَة؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ صُورَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَحِيحَةٌ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ بِلَا نِزَاعٍ بِخِلَافِ أُولَئِكَ فَإِذَا كَانَ الْمُقْتَدِي ثَمَّ مُحَصِّلًا لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ وَإِمَامُهُ مُسْتَدِيمٌ لَا مُسْتَفْتِحٌ فَكَذَا الْمُقْتَدِي بِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ وَإِمَامُهُ مُسْتَدِيمٌ لَا مُسْتَفْتِحٌ.
فَإِنْ قُلْت قِيَاسُ تِلْكَ وُجُوبُ الِاقْتِدَاءِ هُنَا بِالْإِمَامِ قُلْت لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ إنَّمَا وَجَبَ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ مُؤْتَمُّونَ بِهِ فَلَمْ يُمْكِنْ الِاقْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا هُنَا فَكُلٌّ مِنْهُمْ مُنْفَرِدٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَاسْتَوَى الْإِمَامُ مَعَ غَيْرِهِ فَجَازَ لِلدَّاخِلِ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مُقْتَدِيًا بِهِ فِي الثَّانِيَة أَتَمَّ الْخَلِيفَة ظُهْرًا بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ وَاقْتَدَى بِهَذَا الْخَلِيفَة فَإِنَّهُ يُتِمُّ جُمُعَةً وَالْفَرْقُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ الْخَلِيفَة لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً مَعَ إمَامٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ فَلِهَذَا لَمْ نَجْعَلْهُ مُدْرِكًا لَهَا وَأَمَّا الْمُقْتَدِي بِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ خَلِيفَةِ الْإِمَامِ فَحُكْمُ صَلَاتِهِ حُكْمُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ فَلِهَذَا أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ يَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَأَنَّهُ هُوَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ اقْتَدَى بِالْخَلِيفَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْقَوْمِ وَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً أَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ حَالٌّ مَحَلَّ الْإِمَامِ وَإِنْ لَزِمَهُ هُوَ الظُّهْرُ.
وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ مُصَرِّحٌ بِذَلِكَ عَنْهُمْ حَيْثُ قَالَ وَعِنْدِي إنَّمَا يُصَلِّي الْمَسْبُوقُ الْجُمُعَةَ إذَا أَدْرَكَ الْخَلِيفَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَأَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَة فَلَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ حِينَ تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ اهـ. فَهَذَا اخْتِيَارٌ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ كَلَامِ الْأَصْحَاب فَفِيهِ تَصْرِيحٌ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ أَدْرَكَهُ فِي الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْخَلِيفَة أَمْ فِي الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ بَعْدَ سَلَامِ الْقَوْمِ وَكَلَامُ الْقَاضِي السَّابِقُ يُفْهِمُهُ كَمَا عَلِمْت فَإِذَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِمَسْبُوقٍ أَدْرَكَ الْخَلِيفَة بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ الْقَوْمِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُرَاعَى نَظْمُ صَلَاةِ الْإِمَامِ الَّتِي انْقَضَتْ فَبِالْأَوْلَى أَنْ تَحْصُلَ لَهُ الْجُمُعَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ لَمْ تَنْقَضِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُرَاعٍ لِنَظْمِ صَلَاةِ الْإِمَامِ مَعَ مَا بَيْنَهُمْ مِنْ تَمَامِ الرَّابِطَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ.
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانُوا أَرْبَعِينَ فَقَطْ وَبَطَلَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ أَيْ: جُمُعَتُهُمْ لِفَقْدِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ مِنْ أَوَّلِ الْجُمُعَةِ إلَى آخِرهَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ لَك أَنَّهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ يَقْتَدِي بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِمَا مَرَّ أَوَّلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ؛ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا ثَمَّ بِامْتِنَاعِ الِاقْتِدَاءِ نَحْنُ قَائِلُونَ بِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَيَلْزَمُ مِنْ إدْرَاكِهَا هُنَا إدْرَاكُهَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَمَا تَقَرَّرَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ بَانَ حَدَثُ الْأَرْبَعِينَ صَحَّتْ لِلْإِمَامِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ رَادًّا عَلَى مَنْ نَازَعَ فِيهِ وَلِلْمُتَطَهِّرِ أَنْ يَأْتَمّ بِالْإِمَامِ. وَتَحْصُلُ لَهُ الْجُمُعَةُ خَلْفَهُ تَبَعًا لَهُ وَإِنْ فَاتَ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ فَوَاتِهِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ فَبَقِيَتْ لَهُ الْجُمُعَةُ.
وَيَلْزَمُ مِنْ بَقَائِهَا لَهُ بَقَاؤُهَا لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ فَإِذَا نَوَاهَا الْمُتَطَهِّرُ وَحَصَلَتْ لَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ هَذَا كَافٍ فِي الدَّلَالَة لِمَا قُلْنَاهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَإِنْ قُلْنَا بِمَا مَرَّ مِنْ اخْتِيَارِ الْبَغَوِيِّ فَنَتَجَ أَنَّا إنْ قُلْنَا بِمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمُوَافِقِيهِ أَوْ بِمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فَوَاضِحٌ وَإِنْ قُلْنَا بِمُقَابِلِهِمَا فَهَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخَانِ. كَافٍ فِي الدَّلَالَة لِمَا قُلْنَاهُ ثُمَّ عَلَى فَرْضِ عَدَمِ إدْرَاكِهَا الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَدِي بِأَحَدِهِمْ وَيَنْوِي الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ فِعْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلَا يَأْسَ هُنَا لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعِينَ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْكُلِّ أَيْ: جُمُعَتِهِمْ وَبِفَرْضِ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ يُحْتَمَلُ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ فَتُسْتَأْنَفُ الْجُمُعَة فَلَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالسَّلَامِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ اسْتَشْكَلُوا مَا مَرَّ فِي خَلِيفَةِ الثَّانِيَة إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْأُولَى بِأَنَّ فِيهِ فِعْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute