للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يَجُوزُ وَغَايَةُ مَا تَمَحَّلُوا لَهُ أَنَّهُ عُذِرَ بِتَقْدِيمِ الْإِمَامِ لَهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ تَقَدُّمِهِ بِنَفْسِهِ وَعَدَمُ انْعِقَادِ ظُهْرِهِ وَإِطْلَاقُهُمْ يَأْبَاهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّقَدُّمَ مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ لِلدَّاخِلِ الْجُمُعَةَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ حَرُمَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ بِأَحَدِهِمْ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ وَلَا يُمْكِنُ هُنَا أَنْ يُقَالَ يَقْتَدِي بِأَحَدِهِمْ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ ثَمَّ يُمْكِنُ إدْرَاكُهَا بِتَقْدِيرِ تَذَكُّرِ الْإِمَامِ رُكْنًا فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ مَعَهُ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَكَانَتْ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ عَبَثًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته عَمَّا إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَرَادُوا إقَامَةَ جُمُعَةٍ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَعْلَمُ شُرُوطَ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانَهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ وَيَتِمُّ الْعَدَدُ بِهِمْ أَوْ لَا وَهَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَمَعَهُمْ أَوْ تَرْكُهُ أَوْلَى وَهَلْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ أَوْ إثْمٌ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ أَتَى الْعَامِّيُّ بِالشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ عَلَى وَجْهِهَا الشَّرْعِيّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الرُّكْنَ مِنْ الشَّرْطِ وَلَا الْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ النَّفْلِيَّةَ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ الْمَذْكُورِينَ إذَا كَانُوا كَذَلِكَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ. وَيُصَلِّي بِهِمْ وَمَعَهُمْ الْعَالِمُ وَغَيْرُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ بِأَنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ بَعْضَ الْأَرْكَان أَوْ الشُّرُوطِ أَوْ يَأْتُونَ بِهَا لَا عَلَى وَجْهِهَا الشَّرْعِيّ أَوْ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِفَرْضِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ النَّفْلِيَّةَ لَمْ يَصِحّ مِنْهُمْ جُمُعَةٌ وَلَا غَيْرُهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَلَا مَعَهُمْ بَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يُصَحِّحُونَ بِهِ صَلَاتَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ الْمُبَادَرَةُ بِالتَّعَلُّمِ وَبَذْلِ أُجْرَةٍ لِمَنْ يُعَلِّمُهُمْ وَمَتَى تَرَكُوا ذَلِكَ أَثِمُوا وَفَسَقُوا وَلَزِمَهُمْ قَضَاءُ جَمِيعِ الصَّلَوَات الَّتِي صَلَّوْهَا بَعْدَ إمْكَانِ التَّعَلُّم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَكَّة وَهَلْ الطَّوَافُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ كَالصَّلَاةِ وَهَلْ يَحْرُمُ اسْتِدَامَةُ الصَّلَاةِ كَابْتِدَائِهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَكَّة كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِوُرُودِ النَّصِّ ثَمَّ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي حُرِّمَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهَا هُنَا مِنْ إشْعَارِ الصَّلَاةِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْخَطِيبِ مَوْجُودَةٌ فِي مَكَّة وَغَيْرِهَا وَعِلَّةُ النَّهْيِ إمَّا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ أَوْ مَعْقُولَته فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً هُنَا وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ ثَمَّ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ كَالصَّلَاةِ. وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَالِاسْتِمَاعَ لَا يُنَافِيه بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَالْأَشْعَارُ فِيهَا أَقْوَى وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ يُحْتَمَلُ حُرْمَتُهَا إلْحَاقًا لَهَا بِالصَّلَاةِ كَمَا أَلْحَقُوهَا بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ حُرْمَتِهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهَا فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَلْحَقُوهَا بِهَا ثَمَّ فَهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا أَضْيَقُ إذْ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا لَهَا سَبَبٌ وَغَيْرِهَا حَتَّى الْفَائِتَة الْفَوْرِيَّةِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ هُنَا خِلَافًا لِمَنْ اعْتَمَدَ خِلَافَهُ وَظَاهِرُ تَعْبِيرهمْ بِتَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ عَدَمُ حُرْمَةِ الِاسْتِدَامَةِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَالَ وَخَرَجَ بِابْتِدَائِهِ دَوَامُهُ نَعَمْ يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ اهـ.

وَإِنَّمَا حُرِّمَ التَّطْوِيلُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي نَحْوِ التَّحِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً بِأَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ نَحْوِ الْبَصَلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِقَصْدِ إسْقَاطِهَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَحْرُمُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَفَارَقَ مَا لَوْ سَافَرَ بِقَصْدِ الْقَصْرِ أَوْ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ بِشَرْطِهِ وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ إسْقَاطَهُ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ وَإِنْ عَبَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ بَلْ أَكْلُهُ جِنَايَةٌ أَوْجَبَتْ لِفَاعِلِهَا الْبُعْدَ عَنْ الْمَسْجِدِ لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ بِرِيحِهِ فَالْإِسْقَاطُ لَيْسَ رِفْقًا بِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ هَكَذَا فَرَّقَ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ فِيهِمَا إسْقَاطُ صِفَةٍ أَوْ شَيْءٍ إلَى بَدَلٍ وَهُنَا فِيهِ إسْقَاطٌ لَا إلَى بَدَلٍ بِالْكُلِّيَّةِ أَمَّا الْجَمَاعَة فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلَيْسَ الظُّهْرُ بَدَلًا عَنْهَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَأَيْضًا فَالْقَصْرُ وَالْفِطْرُ قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا بَلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>