للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَيْثُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ الضَّمِيرِ وَأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ فِي خُطَبِ الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مِصْرَ وَإِقْلِيمَهَا الْمُشْتَمِلِ مِنْ الْعُلَمَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَقَالِيمِ لَا يُوجَدُ فِيهِ مَنْ يَذْكُرُ فِي خُطْبَتِهِ الضَّمِيرَ إلَّا إنْ كَانَ جَاهِلًا وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ قَلِيلٌ وَرُبَّمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ أَهْلُ بَلَدِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ جَمِيعِ مَا فَرَّعَهُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يَمُجُّهُ السَّمْعُ وَيَتَنَزَّهُ عَنْهُ سَلِيمُ الطَّبْعِ لَا سِيَّمَا قَوْلَهُ فَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مَعَ مَا قَدَّمْته عَنْ الْأَئِمَّةِ.

وَقَوْله إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا حَدَثَ فِي هَذَا الْقَرْنِ إلَخْ وَمَا رَتَّبَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ إلَخْ مِمَّا لَا يَنْبَغِي صُدُورُهُ مِنْ عَالِمٍ إلَّا بَعْدَ إيضَاحِ سَبِيلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقَوْلُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَمْرَيْنِ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ إلَخْ يُرَدُّ بِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ هَذَا الَّذِي زَعَمَهُ بَلْ التَّصْرِيحُ بِهِ أَوْ بِمَا يَدُلّ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَقَوْلُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُظْهَر فِي التَّشَهُّدِ إلَخْ لَا يُجْدِي شَيْئًا؛ لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ إنَّ عَدَمَ الْإِجْزَاء فِي الْخُطْبَةِ بِطَرِيقِ أَنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِشُمُولِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ هَذَا الْمُجِيبُ فَبَنَى عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ أَخْذًا مِنْ احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الْخُطْبَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الصَّلَاةِ وَمِنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ لَا يَبْعُدُ مَجِيءُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ هُنَا وَنَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَة مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَسَاوِي الْبَابَيْنِ كَثِيرًا فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَصَفُّحِهِ وَقَوْلُهُ فَأَكْثَرُ مَا رُوِيَ إلَخْ مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ.

وَفَرْقُهُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالْخُطْبَةِ بِمَا ذَكَرَهُ فِيهِ مِنْ التَّهَافُتِ وَعَدَمِ الْجَرْيِ عَلَى الْقَوَاعِد مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَة مِنْ الْعُلُومِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الضَّمِيرِ الْمَذْكُورِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَا إيهَامٍ أَمْرٌ صِنَاعِيٌّ وَكَوْنُ مَا قَبْلَهُ رُكْنٌ وَهُوَ رُكْنٌ آخَرُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ اعْتِبَارِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ كَيْفَ يُقَالُ إنَّ التَّشَهُّدَ قَدْ تَمَّ وَإِنَّ هَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ إلَخْ وَمِمَّا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الْمَجْمُوع عَنْ الرَّافِعِيِّ وَفِي وَجْهٍ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَالْكِنَايَةُ تَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا نَظَرٌ إلَى الْمَعْنَى اهـ فَأَفْهَمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُكْتَفِي بِالضَّمِيرِ إنَّمَا رَاعَى صِحَّةَ الْمَعْنَى وَأَنَّ الْمَانِعَ لَهُ إنَّمَا رَاعَى الِاتِّبَاع لَهُ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا فَبَطَلَ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ عَلَى أَنَّا

وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ صَحِيحٌ فَلِلْخُطْبَةِ أَرْكَانٌ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا فَاشْتِمَالُهَا عَلَى تِلْكَ الْأَرْكَان الْمُخْتَلِفَةِ. كَاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى أَرْكَانِهَا فَيَلْزَمُهُ جَرَيَانُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكْنًا مُسْتَقِلًّا جَارِيًا بَعْدَ تَمَامِ رُكْنِ الْحَمْدِ فَلَا فَارِقَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بِوَجْهٍ وَكَانَ يَنْبَغِي لِهَذَا الْمُجِيبِ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ هَذَا وَيَحْتَجَّ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا فِي الْخُطْبَةِ مَا لَمْ يَغْتَفِرُوهُ ثَمَّ حَيْثُ قَالُوا لَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى أَحْمَدَ بِخِلَافِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَلَوْ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَجْزَأَ هُنَا لَا هُنَاكَ؛ لِأَنَّ بَابَ الْخُطْبَةِ أَوْسَعُ.

فَإِنْ قُلْت فَهَذَا حِينَئِذٍ يُشْكِلُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاء فِي الضَّمِيرِ قِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ قُلْت لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ أَحْمَدَ عَلَمٌ وَلَا اشْتِرَاكَ فِيهِ وَضْعًا بَلْ هُوَ فِيهِ عَرَضِيٌّ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ بِخِلَافِ الضَّمِيرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَعْرَفَ مِنْ الْعَلَمِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى لَكِنَّ رُجُوعَهُ إلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ حَتْمًا غَيْرُ وَضْعِيٍّ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ احْتِمَالًا قَرِيبًا جَائِزًا لُغَةً فَكَانَ فِيهِ مِنْ نَوْعِ الْإِيهَامِ مَا لَيْسَ فِي دَلَالَةِ أَحْمَدَ عَلَى مُسَمَّاهُ فَمِنْ ثَمَّ أَجْزَأَ أَحْمَدُ هُنَا دُونَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقِيَاسِ فِي فَرْعٍ لِاتِّضَاحِ عِلَّتِهِ الْقِيَاسُ فِي فَرْعٍ آخَرَ لَمْ تَتَّضِحْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فِيهِ إيضَاحَهَا فِي ذَاكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ مُشَابَهَةٍ.

وَبِهَذَا التَّقْرِير يَظْهَرُ لَك انْدِفَاعُ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَظْهَرِ الَّذِي يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ فَكَيْفَ لَا تَصِحُّ بِالْمُضْمَرِ الَّذِي هُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِف وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ وَيَظْهَرُ لَك أَيْضًا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُضْمَرُ أَعْرَفُ الْمَعَارِف وَتَوَهَّمَ مِنْهُ غَيْرَ الْمُرَادِ وَبَنَى عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ وَقَوْلُهُ بَلْ أَيُّ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ

<<  <  ج: ص:  >  >>