الْجُمُعَةَ فِيهِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَنَّ بِالْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَسْجِدًا لَطِيفًا وَقُدَّامُهُ رِحَابٌ فَهَلْ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ الْمُنْفَصِلُ مُعَدًّا مِنْ حَرِيمِ الْبَلَدِ بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ كَانَ كَاَلَّذِي بَيْنَ عُمْرَانِهَا فَلِأَهْلِ الْبَلَدِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهَا فَإِنْ جَاوَزَ حَرِيمَهَا كَالْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ حَرِيمَ الْبَلَدِ لَا يَبْلُغُ أَرْبَعمِائَةِ ذِرَاعٍ لَمْ يَجُزْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا ثُمَّ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ أَمْ لَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته لَوْ اتَّصَلَتْ قَرْيَتَانِ فَهَلْ يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ فِيهِمَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ حَيْثُ عَدُّوهُمَا كَالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُجَاوَزَةِ عُمْرَانِهِمَا فِي السَّفَرِ امْتَنَعَ تَعَدُّدُهَا وَإِلَّا جَازَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فِي بَغْدَادَ أَنَّهَا كَانَتْ قُرًى ثُمَّ اتَّصَلَتْ وَلَا فَرْقَ حَيْثُ اتَّصَلَتَا الِاتِّصَالَ الَّذِي ذَكَرُوهُ بَيْنَ أَنْ يَتَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ أَوْ لَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَ بَعْضِ جَوَانِبَهُمَا نَهْرٌ أَوْ لَا.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ ذَكَرُوا أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِبَلَدِهِمْ إذَا سَمِعُوا النِّدَاءَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي وَهْدَةٍ أَوْ قُلَّةِ جَبَلٍ قُدِّرَتْ مُعْتَدِلَةً فَإِنْ سُمِعَتْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا هَلْ يَشْمَلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَتْ الْوَهْدَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَجْهِ الْأَرْضِ يَوْمَانِ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَشْمَلُ ذَلِكَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا يَجِبُ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ السَّعْيُ قَبْلَ الْوَقْتِ إذْ قَوْلُهُمْ قَبْلَ الْوَقْتِ يَشْمَلُ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَقَوْلُهُمْ يَجِبُ السَّعْيُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ بَطِيءَ الْمَشْيِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ إلَّا إنْ سَافَرَ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ مِنْ حِينَئِذٍ. وَلَا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ انْتَفَتْ عَنْهُ سَائِرُ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ سَائِرُ أَعْذَارِ الْجَمَاعَة عُذْرٌ لِلْجُمُعَةِ إلَّا نَحْوَ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ بِاللَّيْلِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ حَيْثُ سُلِّمَ وُجُوبُ السَّعْيِ لَيْلًا يَنْبَغِي بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ بِاللَّيْلِ عُذْرًا فِي حَقِّهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْقَرْيَةَ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ فِي سِرْبٍ نَازِلٍ عَلَى الِاسْتِوَاءِ اعْتَبَرْنَاهَا عَلَى رَأْسِهِ أَوْ مَعَ انْحِرَافٍ اعْتَبَرْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الْمُسَامِتِ لَهَا لَا عَلَى رَأْسِ السِّرْبِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَالُوا لَا بُدَّ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ فَهَلْ إذَا أَقَامَهَا مَنْ دُورُهُمْ خَارِجَ السُّورِ وَتَكَمَّلُوا بِوَاحِدٍ مِمَّنْ دَارُهُ دَاخِلَ السُّورِ تَنْعَقِدُ بِهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِيهِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ إذْ لَيْسَ هُوَ دَارَ إقَامَتِهِ وَلَوْ دَخَلَ مَنْ دَارُهُ خَارِجَ السُّورِ إلَى دَاخِلِهِ انْعَقَدَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى مَا أَفْتَيْتُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ السَّفَرَ وَاحْتَاجَ إلَى قَصْرٍ دَاخِلَ السُّورِ لِكَوْنِهِ فِي مَقْصِدِهِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ السُّورِ ثُمَّ يُجَاوِزَ الْعُمْرَانَ الَّذِي وَرَاءَهُ لِأَنَّ السُّورَ لَا عِبْرَةَ بِهِ فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا الْعُمْرَانُ الَّذِي خَارِجَهُ كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ دَارُ إقَامَتِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ قَبَضَ الْخَطِيبُ حَرْفَ الْمِنْبَرِ الْمُعْوَجِّ وَنَحْوِهِ فَهَلْ تَبْطُلُ خُطْبَتُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا لَوْ جَعَلَهَا عَلَى حَبْلٍ مُتَّصِلٍ بِكَلْبٍ وَإِنْ وَضَعَهَا مَعَ قَبْضٍ فَتَارَةً يَكُونُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَنْجَرُّ بِجَرِّهِ فَتَبْطُلُ خُطْبَتُهُ كَمَا لَوْ قَبَضَ حَبْلًا مُتَّصِلًا بِسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فِيهَا نَجَسٌ وَتَارَةً يَكُونُ كَبِيرًا بِحَيْثُ لَا يَنْجَرُّ بِجَرِّهِ فَلَا يُؤَثِّرُ كَالسَّفِينَةِ الْكَبِيرَةِ وَلَا فَرْقَ فِي النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَيْهِ بَيْنَ ذَرْقِ الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ حَمْلَ مَا فِيهِ ذَرْقُهَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنْ عُفِيَ عَنْ الْوُقُوفِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَائِحٌ لَكِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْعَفْوَ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ حَسَنٌ لَوْ سَاعَدَهُ عَلَيْهِ نَقْلٌ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَته سَلَّمَ الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ وَالْمَأْمُومُونَ خَارِجَهُ فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ أَوْ لَا وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ بَانُوا مُحْدِثِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ عَدَمُ صِحَّةِ جُمُعَةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى وَعَلَيْهِ فَفَارَقَ وَمَا ذُكِرَ بِأَنَّ صُورَةَ الْجُمُعَةِ