للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَعَتْ فِي الْوَقْتِ فَصَحَّتْ مِنْ الْإِمَامِ رِعَايَةً لِذَلِكَ وَبِأَنَّ الْمُحْدِثَ قَدْ تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ خَارِجَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ صِحَّتُهَا وَبِأَنَّ أَمْرَ الْجُمُعَةِ إلَى الْإِمَامِ فَتَأْخِيرُهَا تَقْصِيرٌ مِنْهُ بِخِلَافِ تَبَيُّنِ حَدَثِهِمْ فَإِنَّهُ لَا حِيلَةَ لَهُ فِيهِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْأَخِيرِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ بِالتَّأْخِيرِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ بَلْ الْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ الْفَرْقَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِالْوَقْتِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِالْعَدَدِ وَلِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَدَدِ فِي مَسْأَلَةِ الِانْقِضَاضِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْوَقْتِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَته قَالُوا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ يُكْرَهُ تَرْكُهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ فَمَا سَبَبُ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عَلَّلُوا الْكَرَاهَة بِتَأَكُّدِهِ بِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَة الْحَاثَّةِ عَلَيْهِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ بِأَنْ وَرَدَتْ فِيهِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ بِطَلَبِهِ يُكْرَهُ تَرْكُهُ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ أَوْ فِعْلُهُ بِالْأَوْلَى وَيَصِيرُ تَأَكُّدُ طَلَبِهِ أَوْ الِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرْته هُنَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُكْرَهُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى السُّنَنِ الْمُتَأَكِّدَةِ أَوْ الْمُخْتَلَفِ فِي وُجُوبِهَا كَالسُّورَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَإِلَّا فَإِطْلَاقُهُ الْكَرَاهَة لَا يَتَمَشَّى عَلَى اصْطِلَاحِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْمَكْرُوه مِنْ كَوْنِهِ مُغَايِرًا لِخِلَافِ الْأَوْلَى.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ فِي خَلِيفَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ قَبْلَ حَدَثِهِ هَلْ يَشْمَلُ الْمُتَنَفِّلَ وَغَيْرَهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ اقْتِدَائِهِ بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى إنْشَاءِ جُمُعَةٍ بَعْدَ انْعِقَادِ أُخْرَى أَوْ إلَى جَعْلِهَا ظُهْرًا قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ وَلَا يُرَدُّ الْمَسْبُوقُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا مُنْشِئٌ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْمُقْتَدِي لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ نَاوِيًا غَيْرَهَا فَلَا يَخْفَى جَوَازُهُ اهـ وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ إذْ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ تُنَازِعُ فِيهِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَلَدِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى بَلَدٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا نَحْوَ مِيلٍ بَلْ أَقَلَّ وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ مِنْهَا بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ مَعَ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي بَابِ السَّفَرِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ لِقَوْلِهِمْ لَا يَنْقَطِعُ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ مَقْصِدَهُ إلَّا إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا إذَا لَزِمَتْ فِي بَلَدٍ أُخْرَى بِسَمَاعِ النِّدَاءِ فَهَذَا أَوْلَى وَقَوْلُهُمْ السَّابِقُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى انْقِطَاعِ السَّفَرِ الْمُجَوِّزِ لِلْقَصْرِ لَا الْمُسْقِطِ لِلْجُمُعَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَ لَهُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ زَوْجَةٌ يَأْتِيهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَهَلْ يُقَالُ لَا تَلْزَمُهُ أَوْ يُقَالُ تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ لِأَنَّهَا وَطَنٌ لَهُ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ الْعِبْرَةُ فِي الْوَطَنِ إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ بِكُلٍّ مِنْ بَلَدَيْنِ بِمَا كَثُرَتْ إقَامَتُهُ فِيهِ لِأَنَّ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَطَنِ طَنِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ الْجُمُعَةِ مُنْعَقِدَةً بِهِ وَأَمَّا مُطْلَقُ الْوَطَنِ الَّذِي تَلْزَمُ بِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّاجِرَ وَالْفَقِيهَ إذَا كَانَ عَزَمَ كُلٌّ عَلَى الْعَوْدِ إلَى بَلَدِهِ. وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ بَلَدٍ بِهَا جَامِعَانِ قَدِيمَانِ وَأَحَدُهُمَا أَقْدَمُ وَأَصْغَرُ لَكِنَّهُ لَا يَسَعُ أَهْلَهَا إذَا اجْتَمَعُوا فِيهِ لِلْجُمُعَةِ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ أَهْلَهَا بِعَدَمِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فَخَالَفُوا فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْتَقِدُ جَوَازَ التَّعَدُّدِ وَهَلْ بِمُخَالَفَتِهِمْ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ يَحِلُّ لَهُ رِقَابُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لِتَرْكِهِمْ الصَّلَاةَ وَيُفَسَّقُونَ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ وَهَلْ إذَا انْتَقَلَ أَحَدُ إمَامَيْ الْجَامِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُوَ حَنْبَلِيٌّ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَالَ أَنَا عِفْت مَذْهَبَ أَحْمَدَ وَتَرَكْتُهُ يُعَزَّرُ وَيَصِيرُ بِذَلِكَ مَالِكِيًّا وَهَلْ انْتِقَالُهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ جَائِزٌ وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ؟

(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ مِنْ الْمَعْلُوم الْمُقَرَّر أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَ كَثِيرِينَ مِنْ الْعُلَمَاء إلَّا إنْ اُحْتِيجَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَحَلٌّ يَسَعُ أَهْلَهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِإِقَامَتِهَا الْمَسْجِدُ بَلْ مَتَى كَانَ فِي الْبَلَدِ مَحَلٌّ يَسَعُ أَهْلَهَا وَلَوْ غَيْرَ مَسْجِدٍ وَجَبَتْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَأَنَّهُ إذَا وَقَعَ تَعَدُّدٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>