للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاهِدَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَاهِدٌ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى حَدِّهِمْ لِذَوَاتِ السَّبَبِ وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ ذَاتَ سَبَبٍ فَتَحِلُّ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ فِي انْكِسَافِ النُّجُومِ إنَّمَا هُوَ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِهِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَإِلَيْهِمْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ غَالِبَ النُّجُومِ لَا تَنْكَسِفُ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِمْ السَّيْفُ الْآمِدِيُّ إشْكَالًا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ.

وَقَالَ لَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْهُ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ سَبَبَ خُسُوفِ الْقَمَرِ أَنَّ جِرْمَ الشَّمْسِ أَكْبَرُ مِنْ كُرَةِ الْأَرْضِ بِأَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ مَرَّةً وَأَنَّ الشَّمْسَ إذَا انْحَطَّتْ لِلْغُرُوبِ امْتَدَّ لِلْأَرْضِ ظِلٌّ عَلَى شَكْلٍ مَخْرُوطٍ صَنَوْبَرِيٍّ ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّمْسَ أَكْبَرُ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يَزَالُ مَخْرُوطُ الْأَرْضِ يَمْتَدُّ وَيَسْتَدِقُّ إلَى أَنْ تَنْحَطَّ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ عُطَارِدًا إذَا اتَّفَقَ حُضُورُ الْقَمَرِ فِي ذَلِكَ الظِّلِّ مِنْ غَيْرِ تَنَافٍ وَلَا تَأْثِيرٍ بِحَيْثُ يَحْجُبُ نُورَ الشَّمْسِ فَهُوَ خُسُوفُهُ وَعَلَى حَسَبِ تَرْكِهِ فِي مَخْرُوطِ الظِّلِّ يَكُونُ زِيَادَةُ الْخُسُوفِ وَنَقْصُهُ ثُمَّ لَا يَزَالُ الْقَمَرُ فِي السَّيْرِ وَالظِّلُّ فِي الْمَيْلِ إلَى حَالَةِ الِانْجِلَاءِ وَالْعَوْدِ إلَى مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ مِنْ غَيْرِ حَاجِبٍ وَزَعَمُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ الثَّابِتَةَ فِي تِلْكَ الْبُرُوجِ أَيْضًا يُكْتَسَبُ نُورُهَا مِنْ نُورِ الشَّمْسِ كَاكْتِسَابِ نُورِ الْقَمَرِ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لِمَ لَا تَنْكَسِفُ تِلْكَ الْكَوَاكِبُ بِحَيْلُولَةِ مَخْرُوطِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ قَالُوا: لِأَنَّ الظِّلَّ يَنْمَحِقُ دُونَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: وَلِمَ قُلْتُمْ بِانْمِحَاقِ مَخْرُوطِ الظِّلِّ دُونَهَا قَالُوا لِأَنَّهَا تَنْكَسِفُ وَهُوَ دَوْرٌ مُمْتَنِعٌ.

قَالَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ بَلْ لَوْ قِيلَ لَهُمْ الْكَوَاكِبُ الثَّابِتَةُ فِي فَلَكِ الْبُرُوجِ وَكَذَلِكَ زُحَلُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمِرِّيخُ مُضِيئَةٌ بِأَنْفُسِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ تَنْكَسِفْ بِمَخْرُوطِ الظِّلِّ مَعَ وُصُولِهِ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ إنَّهُ بِسَبَبِ سَتْرِ الْقَمَرِ لَهَا عِنْدَ الْمُقَارَنَةِ وَلِهَذَا لَا يُعْهَدُ كُسُوفُهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمُقَارَنَةِ وَالِاجْتِمَاعِ.

فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ كَمَا أَنَّ الْقَمَرَ قَدْ يُقَارِنُ الشَّمْسَ الْمُقَارَنَةَ الْعَمِيمَةَ كَذَلِكَ الزُّهْرَةُ وَعُطَارِدُ فَمَا لَهُمَا لَا يَحْجُبَانِ الشَّمْسَ عَنْ أَبْصَارِنَا فِي وَقْتِ الْمُقَارَنَةِ وَالِاجْتِمَاع كَمَا فِي الْقَمَرِ لَمْ يَجِدُوا إلَى الْفَرْقِ سَبِيلًا. اهـ. وَاعْتَرَضَ أَيْضًا ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلَهُمْ إنَّ سَبَبَ كُسُوفِ الشَّمْسِ سَتْرُ الْقَمَرِ لَهَا بِأَنَّ الشَّمْسَ عِنْدَهُمْ أَضْعَافُ الْقَمَرِ فِي الْجِرْمِ فَكَيْفَ يَسْتُرُ الْجِرْمُ الصَّغِيرُ الْجِرْمَ الْكَبِيرَ إذَا قَابَلَهُ. اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ الْبُعْدُ اتَّسَعَ الْجِرْمُ الصَّغِيرُ لِلْمُقَابَلَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُحَاذَاةِ النَّاسِ الْقِبْلَةَ مَعَ قِلَّةِ عَرْضِ سَمْتِهَا وَبُعْدِ عَرْضِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، قِيَاسًا عَلَى النَّارِ الْمَرْئِيَّةِ مِنْ بُعْدٍ وَعَلَى عَرْضِ الْمَرْمَاةِ وَالشَّمْسِ فِي الْفَلَكِ الرَّابِعِ وَالْقَمَرِ فِي الْفَلَكِ الْأَوَّلِ فَلِبُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا حَجَبَهَا عِنْدَ تَمَامِ الْمُقَابَلَةِ أَوْ بَعْضَهَا عِنْدَ عَدَمِ تَمَامِهَا وَإِنْ كَانَ جِرْمُهُ صَغِيرًا بِالنِّسْبَةِ لَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّا إنْ قُلْنَا إنَّ الْكَوَاكِبَ غَيْرَ الثَّابِتَةِ نُورُهَا مُكْتَسَبٌ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ فَهُمْ قَائِلُونَ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَا تَنْكَسِفُ وَإِنْ لَزِمَهُمْ مَا مَرَّ عَنْ الْآمِدِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَالَ مَلْحَظُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ انْكِسَافِ الْكَوَاكِبِ الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ وَالْوُجُودُ وَسَبَبُهُ انْمِحَاقُ مَخْرُوطِ الظِّلِّ دُونَهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الِانْمِحَاقِ عَدَمُ وُقُوعِ الِانْكِسَافِ لَهَا فِي الْخَارِجِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ الدَّوْرُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْآمِدِيُّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ قُلْنَا بِمَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ مِنْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ مُضِيئَةٌ بِنَفْسِهَا وَلَيْسَتْ مُكْتَسِبَةً مِنْ الشَّمْسِ فَعَدَمُ انْكِسَافِهَا وَاضِحٌ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْمُقَرَّبَ مَا قَالُوهُ مِنْ اسْتِمْدَادِهَا مِنْ الشَّمْسِ لِأَنَّ الْقَمَرَ الَّذِي هُوَ أَضْوَأُ مِنْهَا وَأَجْلَى إذَا كَانَ نُورُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَهْلِ الْهَيْئَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمْ كَثِيرُونَ فَكَذَلِكَ تِلْكَ الْكَوَاكِبُ نُورُهَا مِنْ نُورِ الشَّمْسِ لَا تَحْقِيقًا بَلْ ظَنًّا بِوَاسِطَةِ تَسْلِيمِ أَنَّ نُورَ الْقَمَرِ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ وَيَبْعُدُ أَنَّ نُورَهُ مِنْ نُورِهَا وَنُورُ الْكَوَاكِبِ لَيْسَ مِنْ نُورِهَا وَالْبَحْثُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَلَا جَدْوَى لَهُ عِنْدَ التَّحْقِيق وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَصَوَّرَ انْكِسَافَ الْكَوَاكِبِ صَلَّى لَهَا صَلَاةً، نَحْوُ

<<  <  ج: ص:  >  >>