للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّلَازِلِ لَا صَلَاةِ الْكُسُوفِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِمَا مَرَّ لَك مَبْسُوطًا.

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ مَا حَقِيقَةُ كُسُوفِ الْقَمَرَيْنِ وَمَا حَقِيقَةُ هَذَا الَّذِي يَسْتُرُ الْقَمَرَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الشَّهْرِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَكْمُلَ ثُمَّ يَنْجَلِي أَوَّلَ الشَّهْرِ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي زِيَادَةِ رُكُوعٍ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ خَاصَّةً؟

(فَأَجَابَ) أَمَدَّنَا اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا حَقِيقَةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاخْتِلَافِ الْقَمَرِ زِيَادَةً وَنَقْصًا وَغَيْرَهُمَا فَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَإِلَيْهِمْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ قَالُوا: وَمِمَّا يَعْرِضُ لِلْقَمَرِ مَا يَعْرِضُ لَهُ بِالْقِيَاسِ إلَى الشَّمْسِ. وَهُوَ الْمَحَاقُ وَالزِّيَادَةُ وَالْكَمَالُ وَالنُّقْصَانُ وَكَسْفُهُ الشَّمْسَ وَالْخُسُوفُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ جِرْمَ الْقَمَرِ كَثِيفٌ كَمَدٍ مُظْلِمٍ لَا نُورَ لَهُ بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ صَقِيلٌ يَسْتَضِيءُ بِضِيَاءِ الشَّمْسِ كَالْمِرْآةِ الْمَصْقُولَةِ إذَا حُوذِيَ بِهَا الشَّمْسُ فَيَكُونُ النِّصْفُ مِنْ الْقَمَرِ الْمُوَاجِهِ لِلشَّمْسِ مُضِيئًا أَبَدًا بِضَوْءِ الشَّمْسِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مُظْلِمًا مِنْهُ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ وُصُولِ الضَّوْءِ مِنْ الشَّمْسِ إلَيْهِ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْقَمَرِ مَعَ الشَّمْسِ يَكُونُ الْقَمَرُ مُتَسَاوِيًا بَيْنَ الشَّمْسِ لِأَنَّ فَلَكَهَا فَوْقَ فَلَكِهِ إذْ هِيَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَكُونُ نِصْفُهُ الْمُظْلِمُ مُوَاجِهًا لَهُ وَنِصْفُهُ الْمُضِيءُ مَسْتُورًا عَنَّا بِالنِّصْفِ الْمُظْلِمِ فَلَا نَرَى شَيْئًا مِنْ ضَوْئِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَحَاقُ.

فَإِذَا بَعُدَ الْقَمَرُ عَنْ الشَّمْسِ مِقْدَارًا قَرِيبًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى اخْتِلَافِ أَوْضَاعِ الْمَسَاكِنِ وَعُرُوضِ الْقَمَرِ وَكَثْرَةِ الْبُخَارِ وَحِدَّةِ الْإِبْصَارِ مَالَ نِصْفُهُ الْمُضِيءُ إلَيْنَا شَيْئًا يَسِيرًا فَيُرَى مِنْهُ وَهُوَ الْهِلَالُ، ثُمَّ كُلَّمَا ازْدَادَ بُعْدُهُ عَنْ الشَّمْسِ ازْدَادَ مَيْلُ الْمُضِيءِ إلَيْنَا فَإِذَا قَرُبَ الْبُعْدُ مِنْ رُبُعِ الدَّوْرِ يَرَى الْقَمَرَ كَنِصْفِ دَائِرَةٍ وَهَكَذَا يَزِيدُ الْمَيْلُ فَيُرَى شَكْلًا إهْلِيجِيًّا حَتَّى إذَا قَابَلَ الْقَمَرُ الشَّمْسَ وَصَارَ الْبُعْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَ الدَّوْرِ صِرْنَا نَحْنُ بَيْنَ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ وَصَارَ مَا يُوَاجِهُ الشَّمْسَ مِنْ الْقَمَرِ يُوَاجِهُنَا. فَيُرَى الْقَمَرُ كَدَائِرَةٍ تَامَّةٍ وَهُوَ الْكَمَالُ وَيُسَمَّى الْقَمَرُ حِينَئِذٍ بَدْرًا فَإِذَا انْحَرَفَ عَنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ مَالَ إلَيْنَا شَيْءٌ مِنْ نِصْفِهِ الْمُظْلِمِ وَاسْتَتَرَ عَنَّا شَيْءٌ مِنْ نِصْفِهِ الْمُضِيءِ فَيَظْهَرُ فِي صَفْحَةِ الْقَمَرِ ثُلْمَةٌ ثُمَّ يَأْخُذُ الظَّلَامُ فِي الزِّيَادَةِ وَالضِّيَاءُ فِي النُّقْصَانِ فَيُرَى الْقَمَرُ عَلَى شَكْلٍ إهْلِيجِيٍّ ثُمَّ كَنِصْفِ دَائِرَةٍ ثُمَّ عَلَى شَكْلِ الْهِلَالِ فِي جَانِبِ الْمَشْرِقِ حَتَّى يَنْمَحِقَ وَيَسْتَتِرَ عَنَّا نِصْفُهُ الْمُضِيءُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَكُونُ الْقَمَرُ مُظْلِمًا لَا يَسْتَضِيءُ إلَّا وَجْهُهُ الْمُقَابِلُ لِلشَّمْسِ وَإِذَا كَانَ الْقَمَرُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّمْسِ أَيْ عَلَى مَدَارِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ. وَذَلِكَ عِنْدَ عُقْدَتَيْ الرَّأْسِ وَالذَّنَبِ إذْ لَا عَرْضَ لِلْقَمَرِ هُنَاكَ فَيَكُونُ عَلَى مِنْطَقَةِ الْبُرُوجِ الَّتِي هِيَ مَدَارُ الشَّمْسِ حَالَ الْقَمَرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَيَسْتَتِرُ عَنَّا ضَوْءُهَا وَهُوَ كُسُوفُ الشَّمْسِ وَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ عُرُوضِ الْبُلْدَانِ شِمَالًا وَجَنُوبًا وَقِلَّةِ الْعُرُوضِ وَكَثْرَتِهَا وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْقَمَرُ بِحَيْثُ تَنْقَطِعُ الْخُطُوطُ الشُّعَاعِيَّةُ الْخَارِجَةُ عَنْ الْأَبْصَارِ إلَى الشَّمْسِ إمَّا جَمِيعُهَا أَوْ بَعْضُهَا فَيَسْتَتِرُ عَنَّا ضَوْءُهَا إمَّا بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْكُسُوفُ التَّامُّ أَوْ لَا بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْكُسُوفُ الْغَيْرُ التَّامِّ وَهُوَ السَّوَادُ الَّذِي يَظْهَرُ لِلْحِسِّ فِي وَجْهِ الشَّمْسِ حَالَةَ الْكُسُوفِ وَهُوَ لَوْنُ جِرْمِ الْقَمَرِ. وَلِكَوْنِ كُسُوفِ الشَّمْسِ إنَّمَا هُوَ لِحَيْلُولَةِ الْقَمَرِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ وَذَلِكَ السَّوَادُ الْمُشَاهَدُ إنَّمَا هُوَ لَوْنُ الْقَمَرِ يَبْتَدِئُ سَوَادُ الشَّمْسِ فِي الْكُسُوفِ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْقَمَرُ يَمُرُّ بِالشَّمْسِ لِكَوْنِهِ أَسْرَعَ مِنْهَا يَبْتَدِئُ الْجَلَاءُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ لِلُحُوقِ الْقَمَرِ إيَّاهَا مِنْ الْمَغْرِبِ وَإِذَا كَانَ الْقَمَرُ كَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّمْسِ أَيْ عَلَى أَحَدِ الْعُقْدَتَيْنِ أَوْ حَوَالَيْهَا بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَكَسْرٍ عِنْدَ الِاسْتِقْبَالِ حَالَ الْأَرْضُ بَيْنَ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ وَوَقَعَ ظِلُّهَا عَلَى الْقَمَرِ فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ فَيَبْقَى عَلَى ظَلَامِهِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ خُسُوفُ الْقَمَرِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأَرْضَ كَثِيفَةٌ مَانِعَةٌ نُفُوذَ الضَّوْءِ فِيهَا وَحَيْثُ كَانَتْ أَصْغَرَ مِنْ الشَّمْسِ يَسْتَضِيءُ بِضَوْئِهَا أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهَا وَيَقَعُ لَهَا ظِلٌّ فِي مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ مَخْرُوطُ الشَّكْلِ يَسْتَدِقُّ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَنْتَفِي فِي أَفْلَاكِ الزُّهْرَةِ فَلِلظِّلِّ عِنْدَ فَلَكِ الْقَمَرِ غِلَظٌ مَا فَإِذَا قَطَعَ هُنَاكَ سَطْحٌ مُسْتَوٍ مُوَازٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>