أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ حَالَّةٌ فِي مُتَحَيِّزٍ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ وَهَلْ تَبْقَى بَعْدَ انْفِصَالِهَا مِنْ الْجَسَدِ أَوْ تَفْنَى وَمَا حَقِيقَةُ تَعْذِيبِهَا وَتَنْعِيمِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا وَلَيْسَ فِي السُّؤَالِ مَا يُخَصِّصُ أَحَدَ هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ مَاهِيَّتِهَا وَهَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ.
وَالْجَوَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مُغَايِرٌ لِلطَّبَائِعِ وَلِأَخْلَاطِهَا وَلِتَرْكِيبِهَا فَهِيَ بَسِيطَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَلَا تَحْدُثُ إلَّا بِمُحْدِثٍ هُوَ قَوْله تَعَالَى {كُنْ} [يس: ٨٢] فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْجَوَابِ هِيَ مَوْجُودَةٌ مُحْدَثَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِي إفَادَةِ الْحَيَاةِ لِلْجَسَدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهَا الْمَخْصُوصَةِ نَفْيُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِي الْآيَةِ الْفِعْلُ نَحْوُ {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: ٩٧] أَوْ فِعْلُهُ فَيَكُونُ الْجَوَابُ أَنَّهَا حَادِثَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ الرُّوحِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ بِدَلِيلِ هَذَا الْخَبَرِ وَالْحِكْمَةُ فِي إبْهَامِهِ اخْتِبَارُ الْخَلْقِ لِيُعَرِّفَهُمْ عَجْزَهُمْ عَنْ عِلْمِ مَا لَا يُدْرِكُونَهُ حَتَّى يَضْطَرَّهُمْ إلَى رَدِّ الْعِلْمِ إلَيْهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إظْهَارُ عَجْزِ الْمَرْءِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِوُجُودِهِ كَانَ عَجْزُهُ عَنْ إدْرَاكِ حَقِيقَةِ الْحَقِّ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُطْلِعْ نَبِيَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهَا بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَعَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُطْلِعَهُمْ وَقَدْ قَالُوا فِي عِلْمِ السَّاعَةِ نَحْوَ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُطْلِعَ عَلَيْهَا وَأُمِرَ بِكَتْمِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاتَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِقَرْيَةٍ فَدُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ ثُمَّ خَرَجَ رِجْلٌ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ مِنْهَا إلَى أُخْرَى فَصَلَّى فِيهَا عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَرْيَتِهِ فَهَلْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَمْ لَا وَإِذَا كَانَ يَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَمْوَاتِ أَهْلِ قَرْيَتِهِ عَنْ حَوَائِجِهِ لِكَوْنِ أَهْلِ قَرْيَتِهِ لَا يُبَالُونَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ بَلْ وَلَا بِتَرْكِ الْفَرْضِ الْمُعَيَّنِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ صَلَاةَ غَائِبٍ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ هَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُطْلَقًا لَكِنْ تَعَقَّبَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْمُخَاطَبُ بِفُرُوضِ الْكِفَايَةِ جَمِيعُ الْأُمَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ الْفَرْضُ بِذَلِكَ اهـ.
وَجَرَى عَلَى هَذَا الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا فَقَالَ وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْهُمْ أَيْ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لِحُصُولِ الْفَرْضِ اهـ.
وَكَذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ فَقَالَ وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُ مَوْضِعِهِ بِصَلَاةِ الْغَيْبَةِ فَإِنْ عَلِمُوا سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضٌ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ اهـ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ سُقُوطُ الصَّلَاةِ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِصَلَاةِ الْغَائِبِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ لَكِنْ إثْمُهُمْ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إلَى أَنْ صَلَّى عَنْهُ لَا مُسْقِطَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ أَوَّلًا فَإِذَا تَبَاطَئُوا عَنْهُ أَثِمُوا بِهَذَا التَّبَاطُؤِ وَإِنْ قَامَ بِالْفَرْضِ غَيْرُهُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى غَائِبٍ فِي الْبَلَدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَوَائِجُ تَشْغَلُهُ أَمْ لَا قَالُوا لِتَيَسُّرِ الْحُضُورِ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَعْذُورَ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ حَبْسٍ لَهُ الصَّلَاةُ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَتَّجِهُ الْجَوَازُ لَا سِيَّمَا إذَا اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْبَلَدِ حَتَّى صَارَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهَا مَسَافَةَ قَصْرٍ اهـ وَأَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ لَكِنْ تَعَقَّبَ ذَلِكَ شَيْخُهُ بِأَنَّ الْأَقْرَبَ إلَى كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ وَإِطْلَاقُهُمْ صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ اهـ.
وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ عَلَى مَنْ فِي الْبَلَدِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِتَيَسُّرِ الْحُضُورِ كَبُرَتْ الْبَلَدُ أَمْ صَغُرَتْ وَشَبَّهُوهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَنْ بِالْبَلَدِ لِإِمْكَانِ حُضُورِهِ اهـ وَإِذَا كَانَ كَلَامُهُمْ صَرِيحًا فِي الْمَنْعِ حَتَّى لِنَحْوِ الْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ فَمَا بَالُكَ بِمَنْ يَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ عَنْ حَوَائِجِهِ عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِمَا بَحَثَهُ جَمْعٌ مِنْ الْجَوَازِ لِنَحْوِ الْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّا لَا نَقُولُ لِلْمُشْتَغِلِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ مَانِعَ أُولَئِكَ اضْطِرَارِيٌّ وَمَانِعَ هَذَا اخْتِيَارِيٌّ وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ هُنَا لَيْسَتْ كَالْمَشَقَّةِ ثَمَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الْإِرْشَادِ وَلَا يُنَحَّى سَابِقٌ لِأَوْلَى إلَّا لِذُكُورَةٍ فَلَوْ كَانَ الْأَوْلَى نَبِيًّا كَعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهَلْ