للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمَلُّك بَعْضِهِ وَمَالُ الْغَائِبِ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُمَلَّكُ قَهْرًا عَلَيْهِ لِلْمُضْطَرِّ بِبَدَلِهِ وَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ وَوَجَدَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةً فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْوَارِثِ بِرَدِّ لَبِنِهِ فَيَجِبُ نَبْشُ الْقَبْرِ وَإِعْطَاؤُهُ لَبِنَهُ أَوْ شِرَاءُ غَيْرِهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا دَفَعَ لَهُ قِيمَتَهُ وَوَاضِحٌ أَنَّ اللَّبِنَ الْمُخْتَلِطَ بِزِبْلٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ إذْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَلَا تَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ وَإِنْ وَجَبَ رَدُّهُ كَغَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ.

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ وَبَرَكَاتِ عُلُومِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَمَّنْ قَبَرَ وَالِدَهُ أَوْ أُمَّهُ عِنْدَ صَالِحٍ فَهَلْ الْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ بِزِيَارَةِ الْأَصْلِ أَوْ الصَّالِحِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَّجِهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ مَرَّ بِقَبْرِ الصَّالِحِ قَبْلُ بَدَأَ بِهِ وَإِلَّا بَدَأَ بِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِوَالِدِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَمِنْ ذَلِكَ الْوُقُوفُ عِنْدَ قَبْرِهِمَا وَالدُّعَاءُ لَهُمَا وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ عَلَى قَبْرِهِمَا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ مَعَ الرِّحْلَةِ إلَيْهَا هَلْ يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ عِنْدَ تِلْكَ الْقُبُورِ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ كَاخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَإِسْرَاجِ السُّرُجِ الْكَثِيرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ زِيَارَةُ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ قُرْبَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَكَذَا الرِّحْلَةُ إلَيْهَا وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لَا تُسْتَحَبُّ الرِّحْلَةُ إلَّا لِزِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّهُ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى مَنْعِ الرِّحْلَةِ لِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَعَ وُضُوحِ الْفَرْقِ فَإِنَّ مَا عَدَا تِلْكَ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْفَضْلِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الرِّحْلَةِ إلَيْهَا وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ فَإِنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْعِ الزَّائِرِينَ بِحَسْبِ مَعَارِفِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ فَكَانَ لِلرِّحْلَةِ إلَيْهِمْ فَائِدَةٌ أَيُّ فَائِدَةٍ فَمِنْ ثَمَّ سُنَّتْ الرِّحْلَةُ إلَيْهِمْ لِلرِّجَالِ فَقَطْ بِقَصْدِ ذَلِكَ وَانْعَقَدَ نَذْرُهَا كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَى حُسْنِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ أَوْ الْمُحَرَّمَاتِ فَالْقُرُبَاتُ لَا تُتْرَكُ لِمِثْلِ ذَلِكَ بَلْ عَلَى الْإِنْسَانِ فِعْلُهَا وَإِنْكَارُ الْبِدَعِ بَلْ وَإِزَالَتُهَا إنْ أَمْكَنَهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي الطَّوَافِ الْمَنْدُوبِ فَضْلًا عَنْ الْوَاجِبِ أَنَّهُ يُفْعَلُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ النِّسَاءِ وَكَذَا الرَّمَلُ لَكِنْ أَمَرُوهُ بِالْبُعْدِ عَنْهُنَّ فَكَذَا الزِّيَارَة يَفْعَلُهَا لَكِنْ يَبْعُدُ عَنْهُنَّ وَيَنْهَى عَمَّا يَرَاهُ مُحَرَّمًا بَلْ وَيُزِيلُهُ إنْ قَدَرَ كَمَا مَرَّ هَذَا إنْ لَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُ الزِّيَارَةُ إلَّا مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ فَإِنْ تَيَسَّرَتْ مَعَ عَدَمِ الْمَفَاسِدِ فَتَارَةً يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا فَيَتَأَكَّدُ لَهُ الزِّيَارَةُ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ لِيُزِيلَ مِنْهَا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَتَارَةً لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ شَيْءٍ مِنْهَا فَالْأَوْلَى لَهُ الزِّيَارَةُ فِي غَيْرِ زَمَنِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ بَلْ لَوْ قِيلَ يُمْنَعُ مِنْهَا حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُدْ.

وَمَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَارَةِ خَوْفَ ذَلِكَ الِاخْتِلَاطِ يَلْزَمُهُ إطْلَاقُ مَنْعِ نَحْوِ الطَّوَافِ وَالرَّمَلِ بَلْ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ مُزْدَلِفَةَ وَالرَّمْيِ إذَا خُشِيَ الِاخْتِلَاطُ أَوْ نَحْوُهُ فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ الْأَئِمَّةُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَاطًا أَيَّ اخْتِلَاطٍ وَإِنَّمَا مَنَعُوا نَفْسَ الِاخْتِلَاطِ لَا غَيْرُ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلَا تَغْتَرَّ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ الزِّيَارَةَ خَشْيَةَ الِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ وَقَرَّرْنَاهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ وَزَعْمُ أَنَّ زِيَارَةَ الْأَوْلِيَاءِ بِدْعَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ مَمْنُوعٌ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَلَيْسَ كُلُّ بِدْعَةٍ يُنْهَى عَنْهَا بَلْ قَدْ تَكُونُ الْبِدْعَةُ وَاجِبَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا مَنْدُوبَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ مَرَّ بِمَقْبَرَةٍ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَأَهْدَاهَا لَهُمْ فَهَلْ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَوْ يَصِلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِثْلُ ثَوَابِهَا كَامِلًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى جَمْعٌ بِالثَّانِي وَهُوَ اللَّائِقُ بِسِعَةِ الْفَضْلِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا حُكْمُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عِنْدَ سَدِّ فَتْحِ اللَّحْدِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ بِدْعَةٌ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ نُزُولِ الْقَبْرِ قِيَاسًا عَلَى نَدْبِهِمَا فِي الْمَوْلُودِ إلْحَاقًا لِخَاتِمَةِ الْأَمْرِ بِابْتِدَائِهِ فَلَمْ يُصِبْ وَأَيُّ جَامِعٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَمُجَرَّدُ أَنَّ ذَاكَ فِي الِابْتِدَاءِ وَهَذَا فِي الِانْتِهَاءِ لَا يَقْتَضِي لُحُوقَهُ بِهِ.

(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ عَنْ حُكْمِ بِنَاءِ الْقُبُورِ قَدْرَ مِدْمَاكَيْنِ فَقَطْ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَحْرُمُ بِنَاءُ الْقَبْرِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَهِيَ الَّتِي اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا وَمِثْلُهَا الْمَوْقُوفَةُ لِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مِدْمَاكًا أَمْ مِدْمَاكَيْنِ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى بِنَاءً وَلِوُجُودِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ تَحْجِيرُ الْأَرْضِ عَلَى مَنْ يَدْفِنُ بَعْدَ بَلَاءِ الْمَيِّتِ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْبِنَاءَ يَمْكُثُ إلَى مَا بَعْدَ الْبِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>