للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَنَّ النَّاسَ يَهَابُونَ فَتْحَ الْقَبْرِ الْمَبْنِيِّ فَكَانَ فِي الْبِنَاءِ تَضْيِيقٌ لِلْمَقْبَرَةِ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَحَرُمَ وَوَجَبَ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ هَدْمُ الْأَبْنِيَةِ الَّتِي فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ وَلَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ عُظَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِهَدْمِ قُبَّةِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ صُرِفَ عَلَيْهَا أُلُوفٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ لِكَوْنِهَا فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَهَذَا أَعْنِي الْبِنَاءَ فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ مِمَّا عَمَّ وَطَمَّ وَلَمْ يَتَوَقَّهُ كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْأَخْذُ مِنْ حِجَارَةِ الْقُبُورِ لِسَدِّ فَتْحِ لَحْدٍ وَلِبِنَاءِ قَبْرٍ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ عُلِمَ مَالِكُ تِلْكَ الْأَحْجَارِ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهَا إلَّا بِرِضَاهُ إنْ كَانَ رَشِيدًا وَإِنْ جُهِلَ فَإِنْ رُجِيَ ظُهُورُهُ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ أَيِسَ مِنْ ظُهُورِهِ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَلِمَنْ لَهُ فِيهِ حَقُّ الْأَخْذِ مِنْهَا بِقَدْرِ حَقِّهِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّ الْمَالَ الضَّائِعَ أَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ إنْ رَأَى حِفْظَهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَالِكُهُ أَوْ بَيْعَهُ وَحِفْظَ ثَمَنِهِ فَعَلَ وَلَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ أَيْ الثَّمَنَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَمَحَلُّ حِفْظِهِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ كَمَا فِي الْخَادِمِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا إذَا تُوُقِّعَ ظُهُورُهُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ ظُهُورِ مَالِكِهِ صَارَ مَصْرُوفًا إلَى مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ وَأَخَذَ مِنْ هَذَا جَمَاعَةٌ أَنَّ الْأَمْوَالَ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمَكَّاسُونَ وَتَخْتَلِطُ وَتَنْبَهِمُ مُلَّاكُهَا تَصِيرُ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا إذَا حَضَرَ الْمُسْلِمُ الْحُرُوبَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَ الْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ

كَكَفَرَةِ مَلِيبَارَ فَإِنَّ مَنْ يُشَاهِدُ الْحَرْبَ كَافِرًا كَانَ أَوْ مُسْلِمًا يَقْصِدُ مَعَارِكَهُمْ إلَى نَحْوِ فَرْسَخَيْنِ وَيُعِدُّونَ لِذَلِكَ مَآكِلَ وَيَقُومُ عِنْدَ مَعْرَكَتِهِمْ وَيَتَفَرَّجُ عَلَى الْقَتْلِ وَالضَّرْبِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَهَلْ يَأْثَمُ الْمُسْلِمُ بِمُشَاهَدَتِهِ وَحُضُورِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ جَمْعِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ إلَى ذَلِكَ وَتَقْبِيحِ طَائِفَةٍ وَتَحْسِينِ أُخْرَى وَالْحَثِّ عَلَى الْهُجُومِ عَلَى الْآخَرِينَ وَوُجُودِ الْخَطَرِ فَرُبَّمَا تَصِلُ إلَيْهِ سِهَامُهُمْ وَرُبَّمَا يُجْرَحُ وَرُبَّمَا يُقْتَلُ أَوْ لَا إثْمَ فِي ذَلِكَ وَإِذَا أَعَانَ الْمُسْلِمُونَ إحْدَى طَائِفَتَيْ الْكَفَرَةِ فِي حُرُوبِهِمْ وَقَاتَلُوا الْآخَرِينَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ حَتَّى يَقْتُلُوا أَوْ يُقْتَلُوا فِي الْحُرُوبِ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ لَا وَهَلْ يُؤْجَرُ الْمُسْلِمُ بِذَلِكَ لِقَتْلِهِ الْكَافِرَ أَوْ لِكَوْنِهِ مَقْتُولَهُ وَهَلْ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الشَّهِيدِ فِي عَدَمِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ لِإِعَانَتِهِمْ لِطَلَبِ مُلُوكِ بِلَادِهِمْ الْكَفَرَةِ مِنْهُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ لِذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ الْحَكَمُ فِي ذَلِكَ وَهَلْ فَرْقٌ بَيْنَ مَا إذَا خَرَجَ بِطَلَبِ مُلُوكِهِمْ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حُضُورُ الْمُسْلِمِ لِحَرْبِ الْحَرْبِيِّينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِقَصْدِ تَعَلُّمِهِ الشُّجَاعَةَ وَكَيْفِيَّةَ الْقِتَالِ وَقُوَّةَ النَّفْسِ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهِ أَوْ بِقَصْدِ فَرَحِهِ بِمَنْ مَاتَ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ لِتَعْلُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِضَعْفِ شَوْكَتِهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ أَوْ بِقَصْدِ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ جَائِزٌ لَا مَحْذُورَ فِيهِ بِوَجْهٍ سَوَاءٌ بَعُدَ مَحَلُّ الْحَرْبِ أَوْ قَرُبَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَكْثِيرٌ لِجَمْعِهِمْ فَإِنَّ التَّكْثِيرَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْمُوَالِي وَالْمُنَاصِرِ وَأَمَّا الْحَاضِرُ رَاجِيًا لِزَوَالِهِمْ وَفَنَائِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ وَمُنْتَظِرًا وُقُوعَ دَائِرَةٍ عَلَيْهِمْ فَيَنْتَقِمُ مِنْهُمْ فَغَيْرُ مُكَثِّرٍ لِجَمْعِهِمْ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَارَبِينَ لَهُمْ بَاطِنًا وَكَذَا لَا مَحْذُورَ أَيْضًا فِي إغْرَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى قَتْلِ الْحَرْبِيِّ جَائِزٌ بَلْ مَحْبُوبٌ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ هَذَا كُلُّهُ إنْ ظَنَّ سَلَامَتَهُ أَوْ قَتْلَهُ بَعْدَ إنْكَائِهِمْ أَمَّا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ مُجَرَّدَ حُضُورِهِ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَهُمْ مِنْهُ نِكَايَةٌ بِوَجْهٍ فَحُضُورُهُ حِينَئِذٍ فِي غَايَةِ الذَّمِّ وَالتَّقْصِيرِ فَلْيُمْسِكْ عَنْهُ.

وَإِذَا أَعَانَ مُسْلِمٌ أَوْ أَكْثَرُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَقَتَلَهُ فِي الْحَرْبِ أَحَدُ الْحَرْبِيِّينَ فَهُوَ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَهُ ثَوَابٌ أَيُّ ثَوَابٍ إنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ مَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَنْ خَرَجَ بِطَلَبِ مَلِكِهِمْ لَهُ حَيْثُ لَا إجْبَارَ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا الْتَقَى مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فِي طَرِيقٍ فِي الْأَمْنِ فَتَسَابَّا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا حَتَّى قُتِلَ الْمُسْلِمُ فَهَلْ هُوَ شَهِيدٍ حَتَّى لَا يُغَسَّلَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ لَا وَلَوْ وَقَعَ بَيْنَ الْكَفَرَةِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ حَرْبٍ فَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَقَتَلُوهُ هَلْ هُوَ شَهِيدٌ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>