للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْته وَلَمَّا كَانَ الْمُتَأَخِّرُونَ يَرَوْنَ وُصُولَ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ مُقَرَّرٍ فِي مَحَلِّهِ أَخَذَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَغَيْرِهِ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ مِنْ أَنَّهَا تُقْرَأُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ مُسَجًّى بَلْ فِي وَجْهٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تُقْرَأُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبْرِ.

وَتَبِعَ هَؤُلَاءِ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ لَا يَبْعُدُ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ قِرَاءَتُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَمَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ انْتِفَاعِهِ لِلصُّعُودِ بِرُوحِهِ إلَخْ كَلَامٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَالْفَسَادِ لِأَنَّ صُعُودَ الرُّوحِ لِلْمَلَإِ الْأَعْلَى لَا يُنَافِي انْتِفَاعَهَا بِمَا يَصِلُ إلَيْهَا إجْمَاعًا مِنْ الدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ فَكَذَا الْقِرَاءَةُ لَوْلَا مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ الْفَرْقِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ وُصُولُهَا إنْ عَقَبَهَا دُعَاءٌ بِوُصُولِ ثَوَابِهَا أَوْ مِثْلِهِ لِأَنَّ حَذْفَ لَفْظِ مِثْلٍ وَإِرَادَةَ مَعْنَاهَا صَحِيحٌ كَبِعْتُك بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ وَأَوْصَيْت لَك بِنَصِيبِ ابْنِي وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْقُبْهَا دُعَاءٌ وَكَانَتْ عَلَى الْقَبْرِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ حِينَئِذٍ كَالْحَاضِرِ تُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ وَالْبَرَكَةُ.

وَبِهَذَا يَتَّضِحُ فَسَادُ تِلْكَ الْمُذَاكَرَةِ إذْ لَوْ نَظَرُوا إلَى صُعُودِ رُوحِهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي فِي السُّؤَالِ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي قَوْلَهُمْ الْمَيِّتُ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْرَأُ عِنْدَ الْقُبُورِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَدْعُو لَهُمْ عَقِبَهَا قُلْت لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مُجَرَّدِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْمَيِّتِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا تَأْيِيدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي حَمْلِهِمْ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ الْمَيِّتِ أَوْ لَمْ يَدْعُ عَقِبَهَا.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا قَالُوهُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ

فِي أَنَّهُ يُغْسَلُ أَوَّلًا رَأْسُهُ ثُمَّ لِحْيَتُهُ هَلْ الْمُرَادُ تَقَدُّمُهُمَا بِغَسْلَةِ السِّدْرِ وَالتَّنْظِيفِ وَالْفَرْضِ وَالتَّثْلِيثِ أَوْ بِالْأُولَى فَقَطْ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِغَسَلَاتِ السِّدْرِ رَأْسُهُ ثُمَّ لِحْيَتُهُ ثُمَّ بَاقِي بَدَنِهِ ثَلَاثًا بِالْمَاءِ الصِّرْفِ كَذَلِكَ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الْغَاسِلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ كُلِّ مَا ذُكِرَ فِيهِ كَمَا حَقَّقَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ حَيْثُ قَالَ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ السِّدْرِ بِالْأُولَى مِنْ غَسَلَاتِ التَّنْظِيفِ أَيْ الَّذِي يُفْهِمُهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا بَلْ الْوَجْهُ التَّكْرِيرُ بِهِ إلَى أَنْ يَحْصُلَ النَّقَاءُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ فَإِذَا حَصَلَ النَّقَاءُ وَجَبَ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ الْخَالِصِ وَيُسَنُّ بَعْدَهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً كَغُسْلِ الْحَيِّ فَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْخَالِصَ بَعْدَ كُلِّ غَسْلَةٍ مِنْ غَسَلَاتِ التَّنْظِيفِ كَفَاهُ ذَلِكَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا وَتَكُونُ كُلُّ مَرَّةٍ مِنْ التَّنْظِيفِ وَاسْتِعْمَالِ الْخَالِصِ يُعَدُّ غَسْلَةً وَاحِدَةً وَكَلَامُهُ الْأَخِيرُ بَيَانٌ لِكَلَامِهِمْ وَكَذَا الْأَوَّلُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُهُ فِي التَّوْشِيحِ قَدْ لَا يُجْعَلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَيُقَالُ إنَّمَا خُصَّتْ الْأُولَى بِالذِّكْرِ لِحُصُولِ النَّقَاءِ بِهَا غَالِبًا.

أَيْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَاسِلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ وَأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِمْ بَعْدَ غَسْلَةِ السِّدْرِ ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً قَرَاحًا مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ ثُمَّ يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ ثَلَاثًا إنَّهَا ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى وَمُتَفَرِّقَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قُلْت أَيُّ الْكَيْفِيَّتَيْنِ أَفْضَلُ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأُولَى هِيَ الْأَفْضَلُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا الْمُوَافِقَةُ لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ مَعَ السُّهُولَةِ.

(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ أَقَلَّ الدَّفْنِ مَا يَمْنَعُ الْمَيِّتَ وَرَائِحَتَهُ هَلْ الْمُرَادُ يَمْنَعُ رَائِحَتَهُ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُهَا الْقَاعِدُ الْمُلَاصِقُ لِلْقَبْرِ أَوْ الْمُرَادُ أَنْ لَا يُدْرِكَهَا بِالشَّمِّ مَعَ تَقْرِيبِ الْأَنْفِ إلَى تُرَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّهَا إذَا أُدْرِكَتْ بِذَلِكَ أَدْرَكَهَا السَّبُعُ فَيَحْمِلُهُ عَلَى النَّبْشِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الرَّائِحَةِ مَنْعُ السَّبُعِ وَعَكْسُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْعِ الرَّائِحَةِ مَنْعُهَا عَمَّنْ عِنْدَ الْقَبْرِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهَا تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً لِأَنَّ مَلْحَظَ اشْتِرَاطِ مَنْعِ الْقَبْرِ لَهَا دَفْعُ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ وَالْأَذَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنْ يَفُوحَ مِنْهُ رِيحٌ يُؤْذِي مَنْ قَرُبَ مِنْهُ عُرْفًا إيذَاءً لَا يُصْبَرُ عَلَيْهِ عَادَةً وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِرَائِحَةٍ لَا تُؤْذِي كَذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ يُسَنُّ أَنْ يُعَمَّقَ الْقَبْرُ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ

<<  <  ج: ص:  >  >>