فِي الْمَقْصُودِ مِنْ مَنْعِ السَّبُعِ وَالرَّائِحَةِ فَعَلِمْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الرَّائِحَةِ لَا يُؤَثِّرُ وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ مِنْهُ مَا تَقَرَّرَ وَبِمَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ التَّلَازُمِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ السَّائِلِ لِأَنَّهَا إذَا أُدْرِكَتْ بِذَلِكَ أَدْرَكَهَا السَّبُعُ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ قِرَاءَةِ {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: ١٠] الْآيَةَ فِي رَابِعَةِ الْجِنَازَةِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ مُعْتَبَرٌ أَمْ يُقَالُ لَا بَأْسَ بِهَا لِلْمُنَاسَبَةِ وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} [الكهف: ٤٦] عِنْدَ الْمُرُورِ عَلَى الْقَبْرِ وَكَوْنُهَا كَفَّارَةً لِإِثْمِ مُرُورِهِ عَلَيْهِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ أَيْضًا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِيهِ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ يَنْبَغِي كَرَاهَةُ قِرَاءَةِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الرَّابِعَةِ كَمَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ وَقَوْلُ السَّائِلِ عِنْدَ الْمُرُورِ عَلَى الْقَبْرِ إنْ أَرَادَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ لَا إثْمَ فِيهِ أَوْ بِحِذَائِهِ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا إثْمَ فَأَيُّ إثْمٍ فِي الْمُرُورِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِرَفْعِهِ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ لَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكُفَّارٍ أَوْ مَاتَتْ كَافِرَةٌ وَلَوْ حَرْبِيَّةٌ أَوْ مُرْتَدَّةٌ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مُسْلِمٌ مَيِّتٌ قُبِرُوا بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَعَكْسُهُ لَكِنْ هَلْ تُطْمَسُ قُبُورُهُمْ أَوْ تُرْفَعُ شِبْرًا اسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ قَالَ لِأَنَّ رَفْعَهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُزَارَ الْكَافِرُ وَيُحْتَرَمَ فَحِينَئِذٍ يُطْمَسُ قَبْرُهُ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا بُحِثَ مِنْ الطَّمْسِ مُحْتَمَلٌ وَإِنْ كَانَ مَا عُلِّلَ بِهِ غَيْرَ مُطَّرِدٍ بَلْ غَيْرَ صَحِيحٍ لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى مَحَلِّ الدَّفْنِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَيْنَ مَقْبَرَتَيْ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ انْتَفَى كَوْنُهُ يُزَارُ وَيُحْتَرَمُ سَوَاءٌ أَرُفِعَ أَمْ لَمْ يُرْفَعْ وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى أَنَّ الرَّفْعَ يَسْتَلْزِمُ الزِّيَارَةَ وَالِاحْتِرَامَ حَرَّمْنَاهُ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ لَا يُسَنُّ الرَّفْعُ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ احْتِرَامٍ وَلَا يُقَالُ يُسَنُّ الطَّمْسُ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ يَطْلُبُوهُ إلَّا عِنْدَ خَشْيَةِ النَّبْشِ لَا غَيْرُ وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ التَّصَدُّقِ بِثَوَابِ الْقِرَاءَةِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْته وَأَجْرَ مَا تَلَوْته إلَى رُوحِ فُلَانٍ ثُمَّ إلَى رُوحِ فُلَانٍ وَهَكَذَا كَمَا فِي وَقْفِ التَّرْتِيبِ وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَبَعْدَهُمْ مَنْ شَاءَ أَوْ التَّشْرِيكِ كَأَوْصِلْ اللَّهُمَّ ثَوَابَ مَا ذُكِرَ إلَى رُوحِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ أَوْ هُمَا سِيَّانِ فِي الْحُكْمِ بَيِّنُوا لَنَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إيصَالُ عَيْنِ ثَوَابِ مَا قَرَأَهُ إلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الدُّعَاءُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَفَضَّلُ وَيُوصِلُ مِثْلَهُ إلَى الْمَدْعُوِّ لَهُ فَلَفْظَةُ الْمِثْلِ إنْ صَرَّحَ بِهَا فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهِيَ مُرَادَةٌ وَحَذْفُ لَفْظِهَا وَإِرَادَةُ مَعْنَاهَا شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا.
وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ الدُّعَاءُ بِإِيصَالِ مِثْلِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ اتَّضَحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَدْعُوِّ لَهُمْ مُرَتَّبِينَ أَوْ مَجْمُوعِينَ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ أَوْ بِدُونِهِ كَأَوْصِلْ ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْأَشْرَافِ أَوْ أَهْلِ بَلَدِ كَذَا أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ ثُمَّ فُلَانٍ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ كُنْتَ دَاعِيًا وَمُؤَدِّيًا لِسُنَّةِ الدُّعَاءِ الْخَاصِّ أَوْ الْعَامِّ فِي الْكُلِّ فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَعَمْ فِي النَّفْسِ تَوَقُّفٌ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالتَّرْتِيبِ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ تَحَكُّمٍ فِي الدُّعَاءِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَدَبِ إذْ اللَّائِقُ فِي الْأَدَبِ أَنْ يُفَوَّضَ وَقْتُ إعْطَاءِ الْمَطْلُوبِ لِلْغَيْرِ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا التَّنْصِيصُ عَلَى طَلَبِ أَنَّ إعْطَاءَ فُلَانٍ قَبْلَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ قَبْلَ فُلَانٍ فَفِيهِ نَوْعُ قِلَّةِ أَدَبٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُوَفَّقٍ.
فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ مِنْهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا أَنَّهُ يُعَامِلُهُ بِمَا كَانَ يُعَامِلُهُ بِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَتَقَدُّمِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الزِّيَارَةِ إنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ أَوْ مَشْيَخَةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا وَإِذَا سُنَّ ذَلِكَ فَلَيْسَ تَقْدِيمُهُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى غَيْرِهِ قُلْت فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ إكْرَامٌ نَاجِزٌ تَتَفَاخَرُ بِهِ الْأَرْوَاحُ كَمَا وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَسَاغَ التَّقْدِيمُ فِيهَا لِذَلِكَ وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَهُوَ طَلَبُ أَفْضَالٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَدْعُوِّ لَهُ وَالْخِيرَةُ فِي وَقْتِ ذَلِكَ إلَيْهِ تَعَالَى فَلَا دَخْلَ لِلتَّرْتِيبِ فِيهِ بِوَجْهٍ بَلْ فِيهِ تَحَكُّمٌ وَقِلَّةُ أَدَبٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِيهِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ نَعَمْ يَنْبَغِي إذَا أَرَادَ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ كُلًّا عَلَى انْفِرَادِهِ أَنْ يُقَدِّمَ فِي اللَّفْظِ مَعَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ لَا بِنَحْوِ ثُمَّ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَلْ كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِيُّ وَابْنُ مَنِيعٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ