عِلِّيِّينَ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارِ فَيَقُولُ رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينٍ» وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ «إنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ يَنْظُرُونَ إلَى مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ» وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ دَرَجَاتٌ كَالشُّهَدَاءِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ تَجْتَمِعُ الْأَرْوَاحُ وَيَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لِلْخَبَرِ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ وَيَتَلَقَّوْنَ الْمَيِّتَ ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَفُلَانَةُ إلَخْ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا «لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ وَجَدَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ وَجْدًا شَدِيدًا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَتَعَارَفُ الْمَوْتَى فَأُرْسِلُ إلَى بِشْرٍ بِالسَّلَامِ فَقَالَ نَعَمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُمْ لَيَتَعَارَفُونَ كَمَا يَتَعَارَفُ الطَّيْرُ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ» وَفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ «إنَّ رُوحَيْ الْمُؤْمِنَيْنِ لَيَلْتَقِيَانِ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ وَمَا رَأَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ قَطُّ» وَصَحَّ حَدِيثُ «إنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْزِلُ بِهِ الْمَوْتُ وَيُعَايِنُ مَا يُعَايِنُ يَوَدُّ لَوْ خَرَجَتْ نَفْسُهُ وَاَللَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَ الْمُؤْمِنِ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ تَصْعَدُ رُوحُهُ إلَى السَّمَاءِ فَتَأْتِيهِ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَخْبِرُونَهُ عَنْ مَعَارِفِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَإِذَا قَالَ تَرَكْت فُلَانًا فِي الدُّنْيَا أَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ وَإِذَا قَالَ إنَّ فُلَانًا قَدْ مَاتَ قَالُوا مَا جِيءَ بِهِ إلَيْنَا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَيَقُولُونَ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ذُهِبَ بِهِ إلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ» .
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يُسْأَلُ الشَّهِيدُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ «هَلْ يُفْتَنُ الشَّهِيدُ قَالَ كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً» قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ إنَّمَا جُعِلَ لِامْتِحَانِ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ فِي إيمَانِهِ مِنْ الْمُنَافِقِ وَثُبُوتُهُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ فِي إيمَانِهِ وَإِلَّا لَفَرَّ لِلْكُفَّارِ قَالَ وَإِذَا كَانَ الشَّهِيدُ لَا يُفْتَنُ فَالصِّدِّيقُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَجَلُّ قَدْرًا وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ إنَّ الْمَرَابِطَ لَا يُسْأَلُ أَيْضًا وَكَذَا الْمَطْعُونُ وَالصَّابِرُ فِي بَلَدِ الطَّعْنِ مُحْتَسِبًا وَمَاتَ بِغَيْرِ الطَّاعُونِ كَمَا فِي بَذْلِ الْمَاعُونِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يُسْأَلُ الطِّفْلُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ لَا يُلَقَّنُ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ وَمِثْلُهُ مَجْنُونٌ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ تَكْلِيفٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ وَلِلْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ إنَّ الطِّفْلَ يُسْأَلُ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ «إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ» وَلَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الطِّفْلِ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ عُقُوبَتَهُ وَلَا السُّؤَالَ بَلْ مُجَرَّدَ أَلَمِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّغْطَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا قِيلَ إنَّ الْمَوْتَى يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ أَيْ يُسْأَلُونَ كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ فَقَدْ أَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ طَاوُسِ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ بِسَنَدٍ احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ طَاوُسِ فِي التَّابِعِينَ بَلْ قِيلَ إنَّهُ صَحَابِيٌّ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ بَعْضُ زَمَنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ وَمُجَاهِدٍ وَحُكْمُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ حُكْمُ الْمَرَاسِيلِ الْمَرْفُوعَةِ لِأَنَّ مَا لَا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ إذَا جَاءَ عَنْ تَابِعِيٍّ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُرْسَلِ الْمَرْفُوعِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا عِنْدَنَا إذَا اعْتَضَدَ وَقَدْ اعْتَضَدَ مُرْسَلُ طَاوُسِ بِالْمُرْسَلَيْنِ الْآخَرَيْنِ بَلْ إذَا قُلْنَا بِثُبُوتِ صُحْبَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ كَانَ مُتَّصِلًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِقَوْلِهِ الْآتِي عَنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إلَخْ لِمَا يَأْتِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ وَفِي بَعْضِ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ زِيَادَةُ إنَّ الْمُنَافِقَ يُفْتَنُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ عَنْ طَاوُسِ أَيْضًا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُطْعَمَ عَنْ الْمَيِّتِ تِلْكَ الْأَيَّامَ وَهَذَا مِنْ بَابِ قَوْلِ التَّابِعِيِّ كَانُوا يَفْعَلُونَ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْمَرْفُوعِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعْلَمُ بِهِ وَيُقِرُّ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَزْوِ إلَى الصَّحَابَةِ دُونَ انْتِهَائِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى هَذَا قِيلَ إنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ