للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَعْنَى الثَّانِيَ فَمَمْنُوعٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِخِلَافِهِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ لَفْظِ الْخَمْرِ الْوَاقِعِ عِنْدَ ذِكْرِ طَهَارَةِ الْخَمْرِ بِالتَّخَلُّلِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَشْمَلَ النَّبِيذَ؟ وَهَلْ يَلْزَمُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا فِي لَفْظٍ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ؟ وَهَلْ الْأَصَحُّ طَهَارَةُ النَّبِيذِ بِالتَّخَلُّلِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ الْمَحْلُوبُ مِنْ أَشْجَارِ النَّارْجِيلِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاطِ شَيْءٍ بِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّبِيذِ أَوْ هُوَ مِنْ النَّبِيذِ أَوْ هُوَ خَمْرٌ كَالْمُشْتَدِّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ؟

وَمَا قَوْلُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي إنَاءٍ خَمْرٌ فَأُدْخِلَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى ارْتَفَعَتْ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ ثُمَّ تَخَلَّلَتْ فَهَلْ تَطْهُرُ أَوْ لَا؟ إلَّا إذَا صُبَّ عَلَيْهَا خَمْرٌ وَارْتَفَعَتْ إلَى الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْجَفَافِ كَمَا حُكِيَ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَوْ بَعْدَ الْجَفَافِ أَيْضًا وَهَلْ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ أَوْ لَا؟ وَمَا قَوْلُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي إنَاءٍ خَمْرٌ ثُمَّ أُرِيقَتْ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ خَمْرٌ أُخْرَى قَبْلَ غَسْلِهِ ثُمَّ نُقِلَتْ مِنْهُ إلَى إنَاءٍ آخَرَ طَاهِرٍ ثُمَّ تَخَلَّلَتْ فِيهِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا أَوْ لَا؟ لِمُلَاقَاتِهَا الْمَحَلَّ الْمُتَنَجِّسَ بِالْخَمْرِ فِي الْإِنَاءِ الْأَوَّلِ، وَهَلْ يُفَرَّقُ هُنَا بَيْنَ مَا إذَا صُبَّتْ قَبْلَ الْجَفَافِ وَبَيْنَ مَا إذَا صُبَّتْ بَعْدَهُ أَوْ لَا؟ وَهَلْ الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مُخْتَصٌّ بِإِنَاءِ التَّخَلُّلِ أَوْ شَامِلٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْخَمْرُ حَقِيقَتُهُ هِيَ الْمُشْتَدُّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ ثُمَّ إلْحَاقُ غَيْرِهَا مِنْ الْأَنْبِذَةِ بِهَا؛ إمَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لُغَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ تَثْبُتُ قِيَاسًا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا كَابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالُوا: فَإِذَا اشْتَمَلَ مَعْنَى اسْمٍ عَلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلتَّسْمِيَةِ كَالْخَمْرِ أَيْ الْمُسْكِرِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لِتَخْمِيرِهِ أَيْ تَغْطِيَتِهِ لِلْعَقْلِ وَوُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي مَعْنًى آخَرَ كَالنَّبِيذِ أَيْ الْمُسْكِرُ مِنْ غَيْرِ مَاءِ الْعِنَبِ ثَبَتَ لَهُ بِالْقِيَاسِ ذَا الِاسْمُ لُغَةً، فَيُسَمَّى النَّبِيذُ خَمْرًا فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ بِآيَةِ {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: ٩٠] الْآيَةَ لَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَمْرِ.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ فَالنَّبِيذُ يُسَمَّى خَمْرًا حَقِيقَةً فَيَشْمَلُهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا: تَطْهُرُ الْخَمْرُ بِالتَّخَلُّلِ؛ وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ شَرْعًا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ: أَنَّ اللُّغَةَ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا وَعَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَجُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ؛ فَعَلَيْهِ لَا يُسَمَّى النَّبِيذُ خَمْرًا وَإِنْ أُعْطِيَ حُكْمُهَا فَلَا يَشْمَلُهُ قَوْلُهُمْ: تَطْهُرُ الْخَمْرُ بِالتَّخَلُّلِ بَلْ قِيَاسًا فَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته. أَنَّ لَفْظَ الْخَمْرِ عَلَى الْأَوَّلِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْكِر مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَالْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى الثَّانِي حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي وَفِي اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ مَعْنَيَيْهِ خِلَافٌ فِي الْأُصُولِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ - لُغَةً - إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ مَثَلًا مَعًا، بِأَنْ يُرَادَا بِهِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُمَا مَعًا، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ نَظَرًا لِوَضْعِهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهِمَا عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُعَيِّنَةِ لِأَحَدِهِمَا، وَفِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ الْخِلَافُ فِي الْمُشْتَرَكِ، فَعَلَى الْأَصَحِّ يَصِحُّ لُغَةً مَجَازًا أَنْ يُرَادَا مَعًا بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْلِك: رَأَيْت الْأَسَدَ وَتُرِيدُ الْحَيَوَانَ الْمُفْتَرِسَ وَالرَّجُلَ الشُّجَاعَ، وَقَوْلُ الْبَاقِلَّانِيِّ:

(لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ حَيْثُ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعُ لَهُ أَيْ أَوَّلًا، وَغَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ مَعًا مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَمْنَعْ الْبَاقِلَّانِيُّ اسْتِعْمَالَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَإِنَّمَا مَنَعَ حَمْلَهُ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ قِيلَ: وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إذَا سَاوَى الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ لِشُهْرَتِهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَا يُعْلَمُ تَنَاوُلُ اللَّفْظِ لَهُ إلَّا بِتَقْيِيدٍ، وَالْحَقِيقَةُ تُعْلَمُ بِالْإِطْلَاقِ وَمَحَلِّهِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِمَا كَمَا فَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ حَمَلَ الْمُلَامَسَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣] عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ وَالْوَطْءِ.

فَعُلِمَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْحَمْلِ عَلَيْهِمَا فِي لَفْظٍ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - ثُمَّ ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةً هِيَ الْمُعْتَصَرُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَالنَّبِيذُ هُوَ الْمُعْتَصَرُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ هُوَ مَا حَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي الْأَشْرِبَةِ؛ لَكِنْ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَهْلِ الْأَثَرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْخَمْرَ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ وَعَلَيْهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّخْرِيجِ السَّابِقِ عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ تَثْبُتُ قِيَاسًا أَوَّلًا وَعَلَيْهِ أَيْضًا فَلَيْسَ هُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>