الْخَارِجَةِ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ فِيهِ بُعْدٌ عَظِيمٌ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ أَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ بَاطِنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَحَرِّرُوا لَنَا ذَلِكَ تُؤْجَرُوا وَلَمْ أَزَلْ أَسْتَشْكِلُ كَلَامَهُمْ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
(فَأَجَابَ - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ - بِقَوْلِهِ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ فِي طَهَارَةِ الرُّطُوبَةِ وَنَجَاسَتِهَا هُوَ كَوْنُهَا مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ فَالْقَائِلُونَ بِنَجَاسَتِهَا غَلَّبُوا شَبَهَهَا بِالْمَذْيِ، وَالْقَائِلُونَ بِطَهَارَتِهَا غَلَّبُوا شَبَهَهَا بِالْعَرَقِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَمَّا كَانَ شَبَهُهَا بِالْعَرَقِ أَقْوَى لِكَوْنِهَا مُجَرَّدَ رُطُوبَةٍ لَا تَنْفَصِلُ غَالِبًا كَالْعَرَقِ كَانَ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالرُّطُوبَةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي وَقَعَ هَذَا الْخِلَافُ فِيهَا هِيَ الَّتِي تُوجَدُ عِنْدَ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ وَهَذَا الْمَحَلُّ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ عِنْدَ جُلُوسِ الثَّيِّبِ عَلَى قَدَمَيْهَا؛ وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ غَسْلُهُ فِي الْغُسْلِ مِنْ نَحْوِ الْجَنَابَةِ أَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الْبَاطِنِ الَّذِي وَرَاءَ هَذَا الْمَحَلِّ فَهِيَ نَجِسَةٌ، وَلَا فَرْقَ فِي طَهَارَةِ الْأُولَى بَيْنَ الْمُنْفَصِلَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا إلَّا إنْ انْفَصَلَتْ؛؛ لِأَنَّ مَا فِي الْجَوْفِ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ حَتَّى يَنْفَصِلَ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ لِابْنِ الْعِمَادِ وَالزَّرْكَشِيِّ مِنْ تَقْيِيدِ الْأُولَى بِعَدَمِ الِانْفِصَالِ فَهُوَ وَهْمٌ مُنْشَؤُهُ عَدَمُ التَّأَمُّلِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ النَّاقِلِ لِذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ لَمَّا شَرَحَا قَوْلَ التَّنْبِيهِ (وَرُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَبَيَّنَّا وَجْهَ الْخِلَافِ فِيهَا وَتَعْلِيلَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ) قَالَا: فِي آخِرِ كَلَامِهِمَا بَعْدَ أَنْ فَرَغَا مِنْ ذَلِكَ (وَلَوْ خَرَجَ مِنْ بَاطِنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ رُطُوبَةٌ قَالَ الْإِمَامُ: فَلَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالطَّهَارَةِ. .. إلَخْ) وَبِتَأَمُّلِ صَرِيحِ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَقْيِيدًا لِلْأُولَى بِحَالِ الِاتِّصَالِ يَظْهَرُ مَا قَدَّمْته وَقَدْ تَبِعَ ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي هَذَا السِّيَاقِ وَالْحِكَايَةِ لِكَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْقَمُولِيُّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْإِمَامُ: أَمَّا الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ الْبَاطِنِ فَلَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا اهـ.
وَكَذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ بِزِيَادَةٍ، وَعِبَارَتُهُ قَالَ الْإِمَامُ: (وَتَسَاهَلَ الْأَئِمَّةُ فِي إطْلَاقِهِمْ الْخِلَافَ فِي رُطُوبَةِ الْفَرْجِ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّ تِلْكَ الرُّطُوبَةِ هَلْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمٌ؟ وَهَلْ تُنَجِّسُ مَا خَرَجَ؟ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ بَاطِنِ فَرْجِهَا رُطُوبَةٌ فَلَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا) اهـ. وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فَإِنَّهُ حَكَى الْخِلَافَ فِي نَجَاسَتِهَا وَطَهَارَتِهَا ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ بَاطِنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ رُطُوبَةٌ قَالَ الْإِمَامُ: لَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِخُرُوجِهَا اهـ. فَأَفْهَمَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ الصَّرِيحَةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الَّذِي قَالَ الْإِمَامُ فِيهِ بِالنَّجَاسَةِ إنَّمَا هُوَ الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الْبَاطِنِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ غَيْرُ الْمُرَادِ بِقَعْرِ الرَّحِمِ، وَأَنَّ الْإِمَامَ نَفْسَهُ قَائِلٌ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا انْفَصَلَتْ أَوْ اتَّصَلَتْ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خُرُوجُهَا مِنْ الْبَاطِنِ وَإِلَّا كَانَتْ رُطُوبَةُ الْفَرْجِ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ نَجِسَةً أَمَّا الْبَاطِنَةُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَلِاتِّصَالِهَا بِهَا وَأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْعِمَادِ، وَخِلَافُ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ اتِّصَالِهَا فَإِنْ انْفَصَلَتْ فَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا نَجِسَةٌ بِلَا شَكٍّ يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ اهـ.
فَقَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ اتِّصَالِهَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الرُّطُوبَةِ الظَّاهِرَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الرُّطُوبَةِ الْبَاطِنَةِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ فَكَيْفَ يُقَيَّدُ هَذَا بِذَلِكَ؟ ثُمَّ قَوْلُهُ: بِلَا شَكٍّ يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ ذَكَرَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافًا فِي الْمَاءِ الَّذِي يَخْرُجُ مَعَ الْوَلَدِ، وَاعْتَمَدَ فِيهِ النَّجَاسَةَ وَهُوَ مِنْ الرُّطُوبَةِ الْبَاطِنَةِ قَطْعًا. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَاتَّضَحَ الْحَقُّ فِيهِ وَأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُ مَا وَقَعَ لِابْنِ الْعِمَادِ وَالزَّرْكَشِيِّ فَلْنَرْجِعْ إلَى مَا فِي السُّؤَالِ فَقَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَهِيَ مَقِيسَةٌ عَلَى الْعَرَقِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي الْأُولَى كَمَا تَقَرَّرَ مُوَضَّحًا وَقَوْلُهُ: وَلَكِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَبْقَى الْإِنْسَانُ مَعَهُ فِي الْحَيْرَةِ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا الْمُصَحَّحَ فِيهَا الطَّهَارَةُ لَا شَكَّ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ يُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجَةِ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ، وَأَنَّ الْخَارِجَةَ مِنْ الْجَوْفِ نَجِسَةٌ قَطْعًا أَوْ مَعَ خِلَافٍ ضَعِيفٍ جِدًّا، وَمَنْ عَبَّرَ عَنْ الْأُولَى بِرُطُوبَةِ بَاطِنِ الْفَرْجِ أَرَادَ بِالْبَاطِنِ مَا هُوَ مَسْتُورٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ الظَّاهِرِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ أَيْضًا بِقَعْرِ الرَّحِمِ وَمَنْ عَبَّرَ عَنْ الثَّانِيَةِ بِرُطُوبَةِ بَاطِنِ الْفَرْجِ أَيْضًا أَرَادَ بِالْبَاطِنِ الْجَوْفَ. فَحِينَئِذٍ قَوْلُ السَّائِلِ لَا شَكَّ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ إنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute