لَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ رُبُعَ زَكَاتِهِ وَيُفَرِّقُ رُبُعَهُ عَلَى كُلِّ صِنْفٍ عَلَى كُلِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُ فَأَكْثَرَ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ زَكَاتِهِ عَنْ حَاجَاتِهِمْ نَقَلَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا إذَا أَخَذَ الْإِمَامُ مَالَ إنْسَانٍ غَصْبًا أَوْ تَعَدِّيًا فَنَوَى بِهِ الْأَخْذَ مِنْ الزَّكَاةِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي لَا نَقْلَ فِيهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ هَلْ هُوَ بِمَحْضِ الْوِلَايَةِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ تَوْكِيلُ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ بِحَالِهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَكَالَةِ وَلَهُ نَظَرٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ نَظَرِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَفَوْقَ مَرْتَبَةِ الْوَكِيلِ أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا التَّفْصِيلُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِمَا نَوَاهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَآحَادِ النَّاسِ وَإِنَّمَا أَجْزَأَ قَبْضُ الْجَائِرِ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِجَوْرِهِ وَعَدَمِ الدَّفْعِ إلَيْهِ يُؤَدِّي لِفِتْنَةٍ وَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ مَا ائْتَمَنَهُ الشَّرْعُ عَلَيْهِ أَثِمَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لِجِهَةِ الزَّكَاةِ وَلَا كَذَلِكَ هَذِهِ الصُّورَةُ، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ لِبُلُوغِ الْحَقِّ مَحَلَّهُ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا بُدَّ فِي الْإِجْزَاءِ مِنْ عِلْمِهِ بِجِهَةِ مَا لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْحَرَجُ عَنْ الْمَالِكِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَالِكُ الْحَالَ فَهُوَ مُقَصِّرٌ وَإِنْ عَلِمَ بِنِيَّتِهِ احْتَمَلَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي الْغَصْبِ كَالْآحَادِ وَفِعْلُ الْجَائِزِ إنَّمَا يَصِحُّ إنْ طَابَقَ الشَّرْعَ وَيُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ قَصْدُ الْإِمَامِ الْمَذْمُومُ شَرْعًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ الْإِجْزَاءِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَخْذِ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ الْعُشُورَ الْمَعْهُودَةَ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِاسْمِ الزَّكَاةِ وَنَوَى بِهِ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ فَهَلْ يُسْقِطُ عَنْهُ بِهِ الْفَرْضَ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَسْقُطُ بِأَخْذِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَرْضُ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَمَامَ الْجَائِرَ كَالْعَادِلِ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَيَقَعُ لِبَعْضِ التُّجَّارِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ كَبِيرُ تَقْوَى وَيَغْلِبُ عَلَيْهِمْ الْبُخْلُ وَالْخِزْيُ أَنَّهُمْ يُكْثِرُونَ الْأَسْئِلَةَ عَمَّا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ أَعْوَانُ السَّلَاطِينِ مِنْ الْمُكُوسِ هَلْ يَقَعُ عَنْهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا نَوَوْهَا فَنُجِيبُهُمْ بِمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُقَرَّرُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْإِرْشَادِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُحْسَبُ مِنْ زَكَوَاتِهِمْ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَأْخُذْهُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ بَلْ بِاسْمِ الذَّبِّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَمْوَالِهِمْ فَهُوَ وَأَعْوَانُهُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ فِي أَمْوَالِ التُّجَّارِ يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ قَهْرًا عَلَيْهِمْ وَلَوْ سَمِعَ هُوَ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ عَنْ بَعْضِ التُّجَّارِ أَنَّهُ يَدْفَعُ لَهُمْ ذَلِكَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ لَمَا قَبِلُوا مِنْهُ ذَلِكَ وَأَخَذُوهُ قَهْرًا عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ رُبَّمَا أَذُوهُ وَسَبُّوهُ.
وَالدَّفْعُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ الْعَامِّ إنَّمَا يُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ حَيْثُ لَمْ يَمْتَنِعْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ أَخْذِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْ يَأْخُذُهُ بِقَصْدٍ مُغَايِرٍ لَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ حُسْبَانُ مَا أَخَذَهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَبَقِيَ مَانِعٌ آخَرُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى السُّلْطَانِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ الدَّفْعُ لِنَائِبِهِ الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ وَالدَّفْعُ لِلنَّائِبِ الْعَامِّ وَهُوَ الْوَزِيرُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَحْوُهُ مُتَعَسِّرٌ أَيْضًا وَإِنَّمَا الْوَاقِعُ وَالْمُتَيَسَّرُ الدَّفْعُ إلَى النَّائِبِ الْخَاصِّ وَهَذَا النَّائِبُ الْخَاصُّ لَا يُوَلُّونَهُ عَلَى أَخْذِ زَكَاةٍ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا يُوَلُّونَهُ عَلَى أَخْذِ الْعُشُورِ وَمُرَادُهُمْ بِهَا الْمُكُوسُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَعِبَارَاتِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ فَمَنْ أَرَادَ الدَّفْعَ إلَيْهِمْ بِاسْمِ الزَّكَاةِ لَمْ يَدْفَعْهَا لِإِمَامٍ وَلَا لِنَائِبِهِ فِيهَا فَكَيْفَ تُجْزِئُ عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَيُشَاعُ لَهُمْ فَإِنَّ بَعْضَ فَسَقَةِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالتُّجَّارِ رُبَّمَا حَسِبُوا جَمِيعَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ الْمُكُوسِ مِنْ الزَّكَوَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ وَمَا دَرَوْا أَنَّهُ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجَنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ وَتَقُولُ لَهُمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.
(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ بِمَا لَفْظُهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ وَالصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تُكْرَهُ اسْتِقْلَالًا وَلَا تُكْرَهُ تَبَعًا فَهَلْ قَوْلُ الْإِنْسَانِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَصَلِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَثَلًا مِنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الشِّقِّ الثَّانِي فَمَا الَّذِي يَظْهَرُ لَكُمْ أَوْ تَفْهَمُونَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرْت فِي كِتَابِي فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute