الِاسْتِقْلَالِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا السَّلَامَ عَلَى غَائِبٍ بِالصَّلَاةِ فِي الْكَرَاهَةِ فَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِمَا فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَهَذَا سَلَامٌ وَقَعَ اسْتِقْلَالًا وَلَمْ يُكْرَهْ فَأَجَبْتُ بِمَنْعٍ أَنَّ هَذَا وَقَعَ اسْتِقْلَالًا وَإِنَّمَا وَقَعَ تَبَعًا لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِالِاسْتِقْلَالِ إلَّا مَا وَقَعَ مُنْفَرِدًا غَيْرَ تَابِعٍ لِغَيْرِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا كَرَاهَةَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ شِعَارِهِمْ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ شِعَارِهِمْ إنَّمَا هُوَ الِاسْتِقْلَالُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ثُمَّ لَمَّا نَظَرْت فِي الْجَوَابِ عَمَّا فِي هَذَا السُّؤَالِ تَوَقَّفْتُ فِي أَنَّ ذَلِكَ اسْتِقْلَالٌ مِنْ حَيْثُ تَمْثِيلُهُمْ لِلتَّبَعِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ فَاقْتَضَى ظَاهِرُ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّهُ مَتَى كَرَّرَ الْعَامِلَ خَرَجَ عَنْ التَّبَعِيَّةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ وَيَمْنَعُ ذَلِكَ التَّوَقُّفَ وَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ ذَلِكَ التَّمْثِيلِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْحَابَ عَبَّرُوا بِعِبَارَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُفَسِّرَةٌ لِلْأُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُمْ كَمَا عَبَّرُوا بِالِاسْتِقْلَالِ عَبَّرُوا بِالِابْتِدَاءِ فَقَالُوا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً.
وَعِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ وَتَابَعَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ وَمَا قَالَاهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَخِلَافُ مَا قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ابْتِدَاءً فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلَّيْ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ابْتِدَاءً وَمُقْتَضَى عِبَارَتِهِ التَّحْرِيمُ وَالْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْ عِبَارَتِهِ.
وَعِبَارَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا تَجُوزُ عَلَى التَّبَعِيَّةِ انْتَهَتْ فَاسْتَفَدْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ عَبَّرَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِالِاسْتِقْلَالِ أَرَادَ بِهِ الِابْتِدَاءَ وَاسْتَفَدْنَا مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ إنَّمَا عَبَّرُوا بِالِابْتِدَاءِ دُونَ الِاسْتِقْلَالِ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ أَنَّ مَا فِي التَّشَهُّدِ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَأَنَّ مَا فِي السُّؤَالِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ غَيْرَ مَكْرُوهٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُبْتَدَأً بِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عِبْرَةَ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُسَمَّى تَابِعًا لِمَا قَبْلَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ عَاطِفٌ كَمَا فِي السُّؤَالِ أَمْ لَا كَاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَثَلًا وَكَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَثَلًا.
وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ هُوَ مِنْ شِعَارِ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِي نُهِينَا عَنْهُ فَلَمْ يُكْرَهْ غَيْرُ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شِعَارِهِمْ مَعَ كَوْنِهِ وَقَعَ تَابِعًا فِي اللَّفْظِ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ لَا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ أَكْرَى مُزْرَعًا لِأَحَدٍ عَلَى أَنَّ لَهُ شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْغَلَّةِ كُلَّ سَنَةٍ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَخَذَ تِلْكَ الْأُجْرَةِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهَا إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَا وَإِذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا مَاذَا حُكْمُهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْأُجْرَةِ إذَا كَانَتْ حَبًّا إلَّا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَوُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُهَا أَوْ نَقْدًا إلَّا إنْ مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ حِينِ مِلْكِهَا وَهِيَ نِصَابٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ ذَكَرَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا ابْنُ لَبُونٍ فِي مَالِهِ وَلَا بِالثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ قِيمَتَهَا وَنَبَّهَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنَّ الِانْتِقَالَ حِينَئِذٍ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمَةَ وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ فِي سَائِرِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ اهـ فَهَلْ هَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ أَمْ لَا فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ شُهْبَةَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْمِنْهَاجِ فَإِنْ عُدِمَ بِنْتُ الْمَخَاضِ فَابْنُ لَبُونٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَكِنْ رَأَيْتُ بَعْدَ تَسْطِيرِ السُّؤَالِ لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ مَا لَفْظُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ مَا فِي الْمُهِمَّاتِ إذَا تَعَذَّرَ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ مَعَ الْجُبْرَانِ لِتَعَيُّنِ الْقِيمَةِ حِينَئِذٍ طَرِيقًا إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ صَحِيحٌ وَتَقْيِيدُهُ الْمَنْقُولُ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا صَرَّحْت بِهِمَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فِي مَحَلَّيْنِ وَعِبَارَتُهُ فِي أَوَّلِهِمَا وَلَوْ فَقَدَ الْوَاجِبَ وَبَدَّلَهُ الْمَذْكُورُ فِي مَالِهِ وَفَقَدَهُ بِالثَّمَنِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ بِالشِّرَاءِ دَفَعَ الْقِيمَةَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ أَوْ رَجَا حُصُولَ الْوَاجِبِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute