نَازَعَ فِيهِ جَمْعٌ مِنْ أَنَّ الْمَسْتُورَ هُنَا يُقْبَلُ إذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ وَهِيَ الَّتِي يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الْمُزَكِّينَ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مَحْضُ شَهَادَةٍ بَلْ فِيهِ شَائِبَةٌ بَلْ شَوَائِبُ مِنْ الرِّوَايَةِ مِنْهَا ثُبُوتُهُ بِوَاحِدِ وَعَدَمُ احْتِيَاجه إلَى دَعْوَى وَعَدَمُ تَصَوُّر الْحُكْمِ بِهِ،؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْقَاضِي الشَّهْرَ فَقَطْ وَالثُّبُوتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَقَبُولُ قَوْلِ الشَّاهِدِ: أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ عَلَى الْمُعْتَمَد عِنْد الرَّافِعِيِّ وَغَيْره.
وَثَالِثُهَا أَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ إطْلَاقهمْ إلَخْ لَيْسَ فِي مَحِلّه لِأَنَّ ذَاكَ ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْقَضَاء وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ رَمَضَان لِمَا ذَكَرُوهُ فِيهِ فِي بَابِهِ مِمَّا ذُكِرَ.
رَابِعهَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَلِهَذَا قَالَ بَعْض الْمُفْتِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ حَتَّى يَجْعَلَهُ عِلَّةً لَهُ،، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ لَا مُحَكِّمَ أَمَّا إذَا حَكَّمُوا مَنْ يَسْمَع الشَّهَادَةَ بِرَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا ذَكَره الزَّرْكَشِيُّ حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِكَوْنِ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَان؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ هُنَا غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعُمُومِ الْأَمْرِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُت الشَّهْرُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَالثُّبُوتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ نَعَمْ إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَقُّ آدَمِي وَدَعَتْ حَاجَةٌ إلَى الْحُكْمِ بِهِ حَكَمَ بِهِ بِشُرُوطِهِ، مُسْتَنِدًا إلَى ذَلِكَ الثُّبُوتِ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ رَمَضَان يَثْبُتُ بِالتَّحْكِيمِ سِيَّمَا بِمَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ حَتَّى إذَا جَاءَ إلَى رَجُلٍ وَحَكَّمَاهُ بِشَرْطِهِ لَزِمَهُمَا وَلَزِمَ النَّاسُ صَوْمَهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ وَاحِدًا اهـ.
نَعَمْ مَا ذَكَره أَعْنِي الزَّرْكَشِيّ مِنْ إلْزَامِ النَّاسِ بِالصَّوْمِ إذَا حَكَمَ بِهِ الْمُحَكَّم مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَحْكِيمِهِ إلَّا اثْنَانِ. فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُ إلَّا مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَمَا ذَكَره الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ إلْزَامٌ بِمُعَيَّنٍ أَرَادَ بِهِ الْغَالِبَ وَإِلَّا فَقَدْ لَا يَكُون فِيهِ إلْزَامٌ لِذَلِكَ كَمَا بَيَّنَهُ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِده عَلَى أَنَّ مَا ذَكَره مِمَّا لَا إلْزَامَ فِيهِ بِمُعَيَّنٍ يُمْكِن أَنْ يُوَجَّه بِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا بِمُعَيَّنٍ فَلَا يَكُونُ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ لَازِمًا كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِيهِ فِي مَحَالِّهِ مَنْ الْقَوَاعِدِ الْمَذْكُورَةِ.
وَخَامِسُهَا أَنَّ قَوْلَهُ فَحِينَئِذٍ الْحَاصِلُ إلَخْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا يَشْهَد لَهُ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِهَذَيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرِهِمَا يُشْعِر بِانْفِرَادِهِمَا بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَإِذْ قَدْ فَرَغْنَا مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا فِي عِبَارَته مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَلْنَذْكُرْ الْمُعْتَمَد فِيهِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَمَا ذَكَره عَنْ الصَّيْرَفِيِّ ضَعِيفٌ، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ غَيْره كَابْنِ الْعِمَادِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَم إلَّا إذَا فَرَغْنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ يُرَدُّ بِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَحْضُ شَهَادَةٍ بَلْ فِيهِ شَوَائِبُ مِنْ الرِّوَايَةِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ فَيَكُونُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ شَوَائِبِ الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ فَلَزِمَ الْمُخْبَر بِفَتْحِ الْبَاء إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَ الْمُخْبِر الصَّوْمُ احْتِيَاطًا لَهُ بَلْ اللُّزُوم حِينَئِذٍ أَوْلَى مِنْهُ إذَا ثَبَتَ بِوَاحِدٍ عِنْد الْقَاضِي وَوَقَعَتْ الرِّيبَةُ وَالشَّكُّ فِي صِدْقِهِ فِي شَهَادَته فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجِب الصَّوْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا شَهِدَ بِهِ عِنْد الْقَاضِي وَلَوْ عَلَى مَنْ بَقِيَ عِنْده بَعْد الْحُكْمِ رِيبَةٌ فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلِاحْتِيَاطِ لِلصَّوْمِ فَاللُّزُوم فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لِلِاحْتِيَاطِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقِدٌ الصِّدْقَ وَلَا رِيبَةَ عِنْده فِي وُجُود الْهِلَالِ فَهُوَ كَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ، وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ الَّذِي عِنْد الرَّائِي أَقْوَى.
وَقَوْلُ الصَّيْرَفِيِّ وَلَوْ كَثُرُوا لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ كَمَا يَأْتِي مِنْ اللُّزُومِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِر، وَقَوْلُهُ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يُنَازِع فِي أَنَّ الْحَاكِمَ إلَخْ لَا يُشْهَدُ لَهُ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مُرَادَ الْأَذْرَعِيِّ اللُّزُومُ عَلَى الْعُمُومِ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي خُصُوصِ مَنْ صَدَّقَ الْمُخْبِرَ، وَإِذَا جَوَّزُوا لِلْمُنَجِّمِ وَالْعَارِفِ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُفِيدهُ إلَّا مُجَرَّدُ الظَّنِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ بَلْ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِإِخْبَارِ الثِّقَةِ الْمُعْتَمَدِ لِلِاعْتِقَادِ أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالْأُولَى بَلْ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ وَصَدَّقَهُ أَنَّ لَهُ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الَّذِي اسْتَفَادَهُ مِنْ تَصْدِيقِ مُخْبِرِهِ يُسَاوِي الظَّنَّ الَّذِي يَسْتَفِيدهُ الْحَاسِبُ مِنْ حِسَابِهِ.
وَإِذَا قُلْنَا إنَّ لِهَذَا وَمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute