أَلْحَقْنَا بِهِ الصَّوْمَ فَهَلْ يُجْزِئْهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ نَعَمْ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَرَدُّوا مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ آخَر مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُجْزِئْهُ إذَا بَانَ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي صَامَهُ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ لَيْسَ نَصَّا فِي تَصْحِيحِ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْته فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْإِجْزَاء فِي نَحْوِ الْحَاسِبِ فَالْإِجْزَاءُ فِي الرَّائِي الَّذِي رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى تَعَيُّن الرُّؤْيَةِ وَيَلْزَمُ الْعَمَلُ بِرُؤْيَتِهِ نَفْسِهِ، وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَكَيْف يُسَوَّغُ حِينَئِذٍ أَنْ يُحْكَى فِي الْإِجْزَاء فِي حَقِّهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْخِلَافِ فِي نَحْوِ الْحَاسِبِ عَدَمُ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي الرَّائِي فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ فِي حَقِّهِ وَأَنَّ مَا وَقَعَ فِي قَوْلِ الْمُجِيبِ.
وَأَمَّا مَنْ رَآهُ فَنَقَلُ الْإِمَامِ الْأَذْرَعِيِّ إلَخْ فَهُوَ بِالتَّحْرِيفِ وَالْغَلَطِ أَشْبَهُ، وَأَمَّا مَا ذَكَره الْمُفْتِي الْمَذْكُورَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ تَارَةً تَقْوَى حَتَّى تَصِلَ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ وَتَارَةً لَا فَإِنْ وَصَلَتْ لِلتَّوَاتُرِ وَجَبَ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ تَوَاتَرَ عِنْده الْخَبَرُ بِالرُّؤْيَةِ، بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِهَا عَنْ الْمُعَايَنَةِ جَمْعٌ كَثِيرُونَ، لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً أَوْ نَحْوَهُمْ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَلَوْ مِنْ نَحْوِ فُسَّاقٍ، وَإِنْ لَمْ تَصِل لِلتَّوَاتُرِ فَفِيهَا كَلَامٌ ظَاهِرُهُ التَّنَافِي وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا أَوَّلَ بَابِ الصَّوْمِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ بِرُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرهُ عِنْد الْقَاضِي فَقَطَعَتْ طَائِفَةٌ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا وَطَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ إنْ قُلْنَا هُوَ رِوَايَةٌ. وَقَالُوا فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَزْمِ بِهَا فَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَع عَنْهُ، وَإِنْ جَزَمَ بِالنِّيَّةِ إلَّا إنْ اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صِبْيَان رُشَدَاءَ أَوْ حِسَابِ مُنَجِّمٍ حَيْثُ يَجُوزُ اهـ وَالْمُرَادُ بِالرُّشْدِ هُنَا الِاخْتِبَارُ بِالصِّدْقِ لَا الْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْعَاقِدِ الرُّشْدُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا جَمْعُ نَحْوِ الْعَبِيدِ وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَأَلْحَقَ الْجُرْجَانِيُّ بِمَنْ ذُكِرَ الْفَاسِقَ الَّذِي سَكَنَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ وَكَذَا الْكَافِرُ لَكِنْ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ بِخِلَافِهِ وَقَالُوا فِي يَوْمِ الشَّكِّ الَّذِي يَحْرُمُ صَوْمُهُ: إنَّهُ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ شَهِدَ بِهَا صِبْيَانٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ اهـ وَالْمُرَادُ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ بِحَيْثُ يَقْرُبُ مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ، وَإِنْ لَمْ يُسْمَع مِمَّنْ يُظَنُّ صِدْقُهُ مِنْهُمْ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ كَمَا أَفْهَمهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وَأَشَارَ بَعْضُ شَارِحِيهِ إلَى هَذَا الْأَخِيرِ.
وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ هُنَا فِيمَنْ ذُكِرَ بِأَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَانْظُرْ إلَى مَا بَيْن هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ أَشَارَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنهَا. مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْعَدَدَ هُنَا بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِيهِمَا وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ حِينَئِذٍ عَنْ رَمَضَان لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّن كَوْنُهُ مِنْهُ. نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذُكِرَ يَصِحُّ صَوْمُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ مِنْ صِحَّةِ نِيَّةِ مُعْتَقِدِ ذَلِكَ وَوُقُوعِ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَان مَحِلُّهُ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ إذْ كَلَامُهُمْ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَان وَكَلَامُهُمْ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّن شَيْءٌ فَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ فِي الصَّوْمِ بَلْ فِي النِّيَّةِ فَقَطْ إذَا نَوَى اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِمْ ثُمَّ بَانَ كَوْنُ غَدٍ مِنْ رَمَضَان لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ أُخْرَى سَوَاء بَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّن ذَلِكَ بَلْ اسْتَمَرَّ الْحَالُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَهُوَ يَوْمُ الشَّكِّ.
وَأُجِيب عَنْ عَدَمِ التَّنَافِي بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى مِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فِي عُمُومِ النَّاسِ دُون أَفْرَادِهِمْ فَيَكُونُ شَكَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يُظَنَّ صِدْقُهُمْ وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ دُون أَفْرَادِ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُمْ لِوُثُوقِهِ بِهِمْ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ ثُمَّ إذَا حَصَلَ بِقَوْلِهِمْ ظَنٌّ وَهُنَا إذَا حَصَلَ بِهِ شَكٌّ وَيَرُدُّهُ تَقْيِيدُ الرَّافِعِيِّ هُنَا بِمَا إذَا ظَنَّ صِدْقَهُمْ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الِاعْتِقَادَ وَهُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute