للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحْتَرَزَ الشَّيْخَانِ بِفَرْضِهِمَا التَّفْصِيلَ الْآتِي فِي طَرْحِ الْعَصِيرِ عَلَى خَلٍّ عَمَّا لَوْ طُرِحَ خَمْرٌ فَوْقَ خَمْرٍ فَإِنَّهَا تَطْهُرُ، وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَمْرُ مِنْ جِنْسِهَا فَتَطْهُرُ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَمَا إذَا صُبَّ النَّبِيذُ عَلَى خَمْرٍ فَلَا تَطْهُرُ اهـ.

وَكَأَنَّ مَا قَالَاهُ أَوَّلًا مُسَاوٍ لِمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ إطْلَاقِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ طَرْحُ خَمْرٍ فَوْقَ خَمْرٍ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الِارْتِفَاعَ مَتَى كَانَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ لَا تَطْهُرُ إذَا لَمْ يُغْمَرْ الْمُرْتَفِعُ بِخَمْرٍ أُخْرَى، وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَا نِزَاعَ فِيهَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا لَوْ غَمَرَهَا بِخَمْرٍ أُخْرَى وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ الطَّهَارَةُ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ مَا قَبْلَ الْجَفَافِ وَمَا بَعْدَهُ لِمَا عَلَّلَ بِهِ الْبَغَوِيّ الْمُقْتَضِي أَنَّ فَرْضَهُ الْكَلَامَ قَبْلَ الْجَفَافِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّصْوِيرِ لَا لِلِاحْتِرَازِ وَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا يُنَازِعُ فِيهِ كَلَامَ الزَّرْكَشِيّ وَابْنِ الْعِمَادِ فَإِنَّهُمَا ذَكَرًا الطَّهَارَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ نَقْلِ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ أَبْدَيَا فِي مُقَابَلَتِهِ احْتِمَالًا لَهُمَا مُفَصَّلًا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ إلَّا أَنَّ مَا أَطْلَقَاهُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْمُوَافِقَ لِعِلَّةِ الْبَغَوِيِّ السَّابِقَةِ هُوَ اللَّاحِقُ بِالِاعْتِمَادِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ، وَتَعْلِيلُ شَيْخِنَا بِمُصَاحَبَةِ الْعَيْنِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ تِلْكَ الْمُصَاحَبَةِ لَا تَضُرُّ لِاشْتِرَاكِ كُلٍّ مِنْ الْعَيْنَيْنِ فِي التَّخَلُّلِ الْمُقْتَضِي لِلطَّهَارَةِ فَلَيْسَتْ كَمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ غَيْرَ خَمْرٍ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ فِي خُصُوصِ مِثَالِهِمَا وَهُوَ النَّبِيذُ: إذَا وُضِعَ عَلَى خَمْرٍ وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ أَنَّ الْأَوْجَهَ فِيهِ عَدَمُ الطَّهَارَةِ لِأَنَّ النَّبِيذَ فِيهِ الْمَاءُ فَفِي ذَلِكَ وَضْعُ الْمَاءِ عَلَى الْخَمْرِ بِلَا حَاجَةٍ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَضُرُّ.

وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا اُغْتُفِرَ فِيهِ الْمَاءُ لِلْحَاجَةِ كَانَ كَالْعَدَمِ فَلَمْ يَضُرَّ طَرْحُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ النَّبِيذِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ وَيُغْتَفَرُ فِي الشَّيْءِ تَابِعًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ مَقْصُودًا وَبِهَذَا الَّذِي تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ تُعْلَمُ الطَّهَارَةُ فِيمَا لَوْ أُرِيقَتْ الْخَمْرُ مِنْ دَنٍّ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ خَمْرٌ أُخْرَى قَبْلَ الْجَفَافِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ نُقِلَتْ مِنْهُ إلَى إنَاءٍ طَاهِرٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِيمَا إذَا صُبَّتْ خَمْرٌ عَلَى خَمْرٍ أُخْرَى الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا فَمَا هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ صَبَّهَا فِي الدَّنِّ الْمُتَنَجِّسِ بِالْخَمْرِ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَصَبِّهَا فِي دَنٍّ ارْتَفَعَتْ إلَيْهِ بِفِعْلِ فَاعِلٍ ثُمَّ نَزَلَتْ عَنْهُ.

وَقَدْ مَرَّ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ طَهَارَتُهُ سَوَاءٌ أَصَبَّهَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْجَفَافِ أَمْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْجِنْسِ أَمْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ هَذَا عَلَى مَا اعْتَمَدْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ، وَأَمَّا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا، فَقِيَاسُهُ هُنَا النَّجَاسَةُ وَأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ يَجْعَلُ مُلَاقَاةَ الْخَمْرِ لِأُخْرَى كَمُلَاقَاةِ الْعَيْنِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَاَلَّذِي مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَابْنِ الْعِمَادِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْخَمْرَ الْأُخْرَى تُشَارِكُ الْأُولَى فِي التَّخَلُّلِ الْمُقْتَضِي لِطَهَارَتِهِمَا فَلَمْ تَكُنْ كَالْعَيْنِ الْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَهَلْ الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ. .. إلَخْ وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِمَا تَلَا عَلَيْك وَاضِحًا مُبَيَّنًا.

وَفِي الْأَنْوَارِ لَوْ نُقِلَتْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ قَالَ الْبَغَوِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ، ثُمَّ صُبَّ فِيهِ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ لَا يَطْهُرُ اهـ. وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي وَضْعِ الْخَمْرِ عَلَى خَمْرٍ أُخْرَى لِمَا سَبَقَ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ حَدَثٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَبُولُ خَبَرِهِ أَوْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ.

(فَأَجَابَ) - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - الصَّوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَزَعَمَ أَنَّ خَبَرَهُ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ، بَلْ الظَّنَّ وَلَا يُرْفَعُ يَقِينُ طُهْرٍ بِظَنِّ حَدَثٍ يُبْطِلُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِي الْمَاءِ لَزِمَهُ قَبُولُ خَبَرِهِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَنًّا إلَّا أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْيَقِينِ شَرْعًا فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - مَا حُكْمُ اسْتِعْمَالِ الْوَرَقِ الْبَالِي مِنْ الْكُتُبِ أَغْشِيَةً لَهَا؟

(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتِعْمَالُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَرَقِ أَغْشِيَةً جَائِزٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قُرْآنٌ وَلَا عِلْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا اسْمُ اللَّهِ أَوْ نَبِيِّهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ وَإِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ وَمَنْ أَطْلَقَ الْإِفْتَاءَ بِالْجَوَازِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُكْرَهُ لِدَاخِلِ الْخَلَاءِ حَمْلُ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرٌ؟ وَهَلْ يَعُمُّ مَا إذَا قَصَدَ حَمْلَ الْأَمْتِعَةِ فَقَطْ أَوْ لَا؟ كَحَمْلِ الْمُصْحَفِ فِي أَمْتِعَةٍ.

(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَوْجَهَ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُحْدِثَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْحَمْلِ الْمُخِلِّ بِالتَّعْظِيمِ، وَلَا إخْلَالَ إذَا كَانَ الْمُصْحَفُ تَابِعًا، وَمَنَاطُ الْكَرَاهَةِ هُنَا اسْتِصْحَابُ مَا عَلَيْهِ الذِّكْرُ وَإِدْخَالُهُ الْمَكَانَ الْخَسِيسَ الْمُقْتَضِي لِامْتِهَانِهِ، وَالْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَحْرُمُ دَوْسُ الْوَرَقِ أَوْ الْخِرْقَةِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ وَاسْمُ رَسُولِهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَحْرُمُ دَوْسُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةً لَهُ فَهُوَ كَجَعْلِ الدَّرَاهِمِ فِيهِ، بَلْ أَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ كُلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ كَمَا قَالُوهُ فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ مَا فِي دَوْسِهِ.

(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ وَجَدَ وَرَقَةً مُلْقَاةً فِي الطَّرِيقِ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ مَا الَّذِي يَفْعَلُ بِهَا

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوْلَى غَسْلُهَا لِأَنَّ وَضْعَهَا فِي الْجِدَارِ تَعْرِيضٌ لِسُقُوطِهَا وَالِاسْتِهَانَةِ بِهَا، وَقِيلَ: تُجْعَلُ فِي حَائِطٍ وَقِيلَ: يُفَرِّقُ حُرُوفَهَا وَيُلْقِيهَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، فَأَمَّا كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَهُوَ مُتَّجِهٌ لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ حُرْمَةُ جَعْلِهَا فِي حَائِطٍ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ خِلَافُهُ وَأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>